تراث في طريق الزوال
صفحة 1 من اصل 1
تراث في طريق الزوال
.
ذات صباح في نهاية شهر يونيو عام 2003، هاتفني أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور أحمد مرسي، وأبلغني باختياري في فريق العمل الميداني لتوثيق التلي، وطلب مني مقابلته على الفور في مكتبه بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية التي كان يرأس مجلس إدارتها آنذاك؛ لكي أقوم بحجز تذاكر السفر في القطار المتجه لأسيوط عصر اليوم التالي. في القطار عرفني أستاذي إلى الدكتورة نوال المسيري رئيسة فريق العمل، جلست إليها فشرحت لي تفاصيل المهمة الميدانية، انتبهت إلى قدرات الدكتورة نوال الخاصة جدًا، ولطالما تمنيت الالتقاء بشخصيات يحملون هذه السمات الهادئة والمنظمة في العمل. عرفت من الدكتورة نوال أن فكرة إحياء صناعة "التلي" وتنميتها بجنوب مصر قد برزت من خلال المجلس القومي للمرأة، وأثناء منقاشات لجنة "المرأة حافظة التراث". وقد تم اختيار تلك الحرفة التي كانت تنشر في جنوب مصر، وبالأخص في محافظة أسيوط؛ لأنها كانت علي وشك الاندثار. فمن هن على قيد الحياة ممن اشتغلن بتلك الحرفة واتقنها، صرن طاعنات في السن، ولم تعد للصنعة ما كان يميزها ويدفعها للنمووالانتشار.
التقيت للمرة الأولى أيضًا الدكتور إبراهيم حسين – رحمه الله - الذي رحل إثر حادث أليم عام 2004. وكان معنا الأستاذ أحمد عبدالرحيم - الذي صار "عم أحمد" بعد ذلك – والأستاذة سوزان، والأستاذ عاطف نوار. وفي أسيوط، انضم إلينا الأستاذ أيمن فاروق قادمًا من المنيا.
في اللحظات التي خلوت فيها إلى نفسي خلال ساعات السفر، كنت أتابع ما يدور من حوارات، وفي اللحظات نفسها كنت أفكر في ما سأقوم به من مهام، وبمن سأتصل بهم. بدا اهتمامي كبيرًا؛ لأنها المرة الأولى التي أشارك فيها بعمل ميداني جماعي، بمعية أستاذي الدكتور أحمد، مثَّل ذلك حدثًا مهمًا للغاية. كما أنها التجربة الميدانية الأولى التي أخوضها في مجال مختلف عن الأدب الشعبي. فلم تتعدَ معلوماتي عن الأزياء الشعبية أكثر مما قرأته في أعمال الفنان الراحل سعد الخادم في كتابيه: "الأزياء الشعبية" و"الفنون الشعبية في النوبة". بالإضافة إلى فكرة محزنة ترى أن أزياء المصريين قد تعرضت للمسخ مما جعل من أنماط الزي المصرية الراهنة مثلاً صارخًا للتشوه، لا ينافسه غير التشوه المعماري الفادح. استقر وعي على هذه الفكرة أثناء زياراتي لبلدان عربية أخرى اهتمت شعوبها وحكوماتها بالحفاظ على هذين الجوهرين الوطنيين (الأزياء والعمارة) لا سيما في اليمن وتونس والمغرب.
لم تتوفر لي تجارب ميدانية جماعية على هذا النحو. وأتذكر أن الدكتور مرسي حاول – ونحن طلبة في السنة الثانية من الليسانس – أن تقوم دفعتنا برحلة ميدانية إلى الفيوم بإشراف كلية الآداب جامعة القاهرة، ربما نبعت فكرة الدكتور مرسي من الرحلة الميدانية التي شارك فيها بإشراف كلية الآداب في نهاية الستينيات أو أوائل السبعينيات، فحاول إحياءها بعد انتهاء عمله مستشارًا ثقافيًا في إسبانيا (1986 – 1992) على غرار الرحلة الميدانية المذكورة. وأدركت من بعد الغصة التي حملها الدكتور مرسي بسبب تدهور أحوال المعهد العالي للفنون الشعبية الذي يعود إليه فضل إنشائه بهدف تكوين أجيال مدرَّبة تدريبًا علميًا منضبطًا على العمل الميداني في مختلف أقسام المأثورات الشعبية، فربما فكر في تنشيط قسم اللغة العربية الذي رأس مجلسه بعد عودته من إسبانيا، ولا أستطيع تخمين الأسباب التي عطلت تحقيق هذا المسعى، لكن الدكتور مرسي وجه دفعتنا (المحظوظة) إلى القيام بتجارب ميدانية فردية خلال إجازة منتصف العام الدراسي وتقديم نتاج ما قمنا بتسجيله مفرغًا، كجزء من أعمال السنة الدراسية.
خطط العمل العلمي والميداني بتلك المنطقة على أساس التوثيق أولاً والتنمية ثانيًا واستهدفت الرحلة توثيق وجمع موتيفات ذلك الفن وتأهيل عدد من الفتيات لكي يقمن بعمليات التدريب, وتعريفهن بما كن يجهلن من الموتيفات التي سيتم جمعها.
استهل الفريق الرحلة بزيارة لـ"بيت التلي"؛ بناية متميزة داخل حارة، شكل معماري أقرب للعمارة التقليدية المريحة بصريًا. داخل البيت مقتنيات فولكلورية مدهشة، تجعل من المكان علامة أسيوطية تراثية. كان استقبال الفنان الأسيوطي الجميل سعد زغلول حارًا وحميمًا. لم ألتقِ الفنان سعد زغلول قبل 2003، لكني تعرفت إليه قبل خمسة عشر عامًا من خلال أعماله الفنية التشكيلية، وأتذكر مواقف كثيرة كان ينقلها لنا الشاعر الكبير درويش الأسيوطي الذي قدَّم - ولا يزال - إسهامًا مهمًا في الحياة الأدبية والثقافية في جنوب مصر.
تحدث الدكتور مرسي موضحًا مهمة الفريق. ثم استمعنا لتجربة الأستاذ سعد زغلول في "بيت التلي". فقصَّ علينا تفاصيل تجربته الفريدة في اكتشاف السيدات العجائز اللائي كن يحترفن صنعة التلي، وفي تدريب الفتيات في القرى الواقعة غربي أسيوط، والأسر التي تحسن وضعها الاقتصادي بمشاركتها في إحياء هذه الصنعة القديمة، وج هو ده في تسويق المنتجات، كما عبَّر عن العوائق التي يواجهها وبعض نقاط الضعف في مشروع بيت التلي. وأتصور أن ما اطلعنا عليه في "بيت التلي" هو أبرز ما عاينته في الرحلة الميدانية، وأكثرها قربًا من المفاهيم التي احتوتها خطة العمل، ويرجع ذلك للوعي الفني الذي يتمتع به صاحب التجربة. وفي ظني أن تجربة "بيت التلي" تمثل نموذجًا جديرًا بالاحترام في مضمار التنمية الأهلية البديلة، وهي التنمية التي تنهض على الإمكانات الاقتصادية والثقافية الشعبية للمجتمع المحلي. وهي لا شك تجربة مخلصة يجب حمايتها ودعمها ورفع العوائق من أمامها.
في المجلس القومي للمرأة بأسيوط، كان هناك حشد كبير نساءً ورجالاً. أعتقد أن الدكتور مرسي (الأستاذ الحصيف) قد لاحظ ما لاحظته، فقرأ في وجوه الحاضرات والحاضرين حاجتهم للفهم والتحفيز (بعض رجال الأعمال الذين دعوا على عجل غادروا المكان سريعًا)، حيث اهتم الدكتور مرسي بالحديث عن تجربة "توليدو"، وهي مدينة إسبانية أثرية، تم صون معمارها وخططها القديمة التي تعود للعصر الأندلسي، وأُنشئت طرق واسعة (أربعة حارات ذهابًا ومثلها إيابًا) لتيسير الوصول إليها انطلاقًا من العاصمة مدريد، ورعت الحكومة الإسبانية مدها بالمرافق اللازمة، وقد حققت ما أرادت: عشرات الملايين من السائحين والإسبان يزورون توليدو كل عام، ولا يعود أحد إلا وهو يقتني منتجًا من صناعاتها الشعبية. يستطيع الزائر أن يشتري منتجًا بدولار، أو منتجًا بمليون دولار. مدينة تكتنز بجمال الصناعات التقليدية القديمة، وتحظى برعاية الدولة، ولا ينساها زائر. ثم يُعرِّج الدكتور مرسي على الإمكانات البشرية الهائلة التي تتمتع بها مصر في مجال الحرف الشعبية، ويرى أن بصونها وحمايتها يمكن أن تحتل مصر مكانة مرموقة عالميًا، وليس بعيدًا أن يمثل هذا المجال أحد أبرز الموارد الاقتصادية في مصر.
عندما أستعيد ما ذكره الدكتور مرسي في بيت التلي وفي مقر المجلس القومي للمرأة في أسيوط، أتذكر الفرق بين زيارتي الأولى إلى تونس عام 1992 والثانية عام 2006. ففي الأولى، كان أمر الصناعات التقليدية التونسية يناقش بجدية، ووضعت خطط حقيقية لتنشيط هذا المورد وتصعيده وطنيًا. وفي الثانية، قمت بتوثيق كل ما أتيح من الحرف الشعبية التونسية، وأدركت الأهمية الاقتصادية التي تحظى بها، ومردودها الاقتصادي الهائل للشعب التونسي، خاصة بعد تعديل وزارة السياحة، فصارت "وزارة السياحة والصناعات التقليدية". صحيح أن هناك مشكلات تقنية وعلمية في تحويل التراث المادي واللا مادي إلى سلع سياحية، حيث أثر ذلك في خصوصيته، حيث يظن الكثيرون بأن إكساب المنتج التقليدي موتيفات حديثة سوف تشد السائحين. سألت عددًا من الأسطوات في تونس عن أصل الوحدات الزخرفية في صناعة القيشاني، والصناعات الجلدية، والخشبية، فكانوا يردون: كي تشد الأجانب لاقتنائها. يحدث هذا في مصر أيضًا مثلما في تونس، والسبب الافتقار إلى فريق متخصص (صرت أكره أن أقول: لجنة متخصصة!) لحماية التشكيلات الفنية الأصيلة، وحمايتها من المسخ والتشويه. بالطبع التجديد أمر مطلوب، فأدوات الحياة تغيرت وبالتالي يمكن – في حالة التلي – التفكير بعد أن يتعاون متخصصون في مجالي التراث والتسويق في تطوير المنتوجات وربطها بالاحتياجات الحديثة (ستائر- أنماط زي حديثة - مفروشات - كسوة الأثاث ... إلخ) وتوفير أسواق خارجية وداخلية لنتاجات التلي. وفي الوقت نفسه، الحفاظ على التشكيلات الفنية الشعبية الأصلية والأصيلة لفن التلي.
اطلعنا على نشاط الهيئة العامة لقصور الثقافة وهي أخطر وأهم الهيئات الحكومية المصرية، حيث زرنا قصر ثقافة أحمد بهاء الدين، ووثقنا المعروض من الجلاليب والطُرح والمفارش. وبدا الأداء طيبًا، لكني أسفت – من بعد – للوائح المالية المعيقة لاستمرار جهود، فالبنات اللائي يعملن بحرفة التلي ليس لهن بنود مالية، ولا تنطبق القواعد المالية الحكومية مع متطلبات وظروف صناعة التلي التي تستغرق مشقة وقتًا طويلاً. وكنت أتمنى التوصل إلى إبداع وسيلة لإدراجهن كعاملات دائمات في الهيئة وتأمين استدامة هذا النشاط المهم لإحياء التلي وترويجه بما تمتلكه هيئة قصور الثقافة من بنية تحتية هي الأضخم في مصر.
زرنا كذلك جمعية الأمل، وشاهدنا المنتوجات المتميزة سواء من التلي وغيره، وحصلت على انطباع جيد عن نشاط الجمعية.
بذل عم أحمد عبدالرحيم جهدًا طيبًا في سوهاج (أخميم، وجزيرة شندويل على ما أذكر). كما نجح في توثيق الرسائل الجامعية التي اتخذت من الأزياء الشعبية موضوعًا لها، وخاصة أزياء التلي. ونجح عاطف نوار في استخدام أداة التصوير الرقمية للمرة الأولى في حياته، فقام بتوثيقها بالفيديو والصور الفوتوغرافية، واستطاع اكتساب مهارات أساسية من خلال هذه التجربة ويعمل على تنميتها منذ عام 2003.
لظروف خاصة، لم أستكمل العمل في مشروع إحياء التلي مع الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية. لكني تابعت باهتمام الوثائق التي نشرت على الموقع الالكتروني للمجلس القومي للمرأة، والتي نشرت بعد ذلك في كتيب مطبوع، وكنت أتمنى إبقاءها متاحة على شبكة المعلومات الدولية؛ لكي يطلع عليها المهتمون خارج مصر، فضلاً عن متابعة المصريين الذين لم يتح لهم الحصول على الكتاب.
2.
بمناسبة الحديث عن المواقع الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت)، تعد المواقع المصرية الأفقر في نشر معلومات وصور ودراسات متعلقة بالمأثورات الشعبية بصورة عامة، وخاصة الحرف الشعبية. بينما تتفوق المواقع والمنتديات الخليجية (الإمارات والبحرين وسلطنة عمان على وجه الخصوص) والفلسطينية والسورية واليمنية والمغاربية (ليبيا وتونس والمغرب وحتى موريتانيا) في إضاءة كل ما يتعلق بحرفها الشعبية وأزيائها وعمارتها وأدبها الشفهي. وبقدر احتفائي بهذه المواقع بقدر حزني بضعف التواجد الثقافي المصري الشعبي الكترونيًا. رغم ما نستمع إليه ليل نهار عن رقمنة المأثورات الشعبية المصرية. أستثني هنا جهد المركز القومي لتوثيق التراث الحضاري والطبيعي وفريق عمله المتميز بقيادة الدكتور فتحي صالح.
وفي ما يتعلق بالأزياء أود أن أشير هنا إلى موقع "الدكان" المتميز:
http://www.eddukkan.net/arabic/heritage.php
الذي يعرض منتجات مؤسسة الدكان من الأزياء المصرية الشعبية. والدكان شركة خاصة أسستها السيدة شمس محمد الأتربي، قدمت نفسها ومؤسستها وفلسفتها الخاصة في العمل بصورة متميزة للغاية، حيث تقول:
إن من أهم ما يميز منتجات الدكان هو اشتهارها بكونها الاسم رقم واحد في العالم في حرفه وفن التطريز اليدوي و النصف ميكنى ويضم فريق العمل حفنه من أمهر اسطوات التطريز الذين توارثوا تلك المهنة عن آبائهم وأجدادهم، بل يمكن القول أنهم توارثوا تلك الملكة أو الموهبة الفطرية ودائمًا ما تفخر المؤسسة بقوتها الضاربة من هؤلاء "فناني الفطرة".
ورغم عدد القطع المحدود الذي ننتجه من كل تصميم أو موديل جديد إلا انه يقوم بالعمل بنفس الموديل أكثر من مطرز وتصل أحيانًا إلى 4 أو خمسة أفراد وعلينا دائمًا أن نطبق معايير الجودة والمستوى الفني المطلوب على كل قطعه مكررة في كافه التفاصيل الفنية المركبة.
وبرغم التشابه الشديد للقطع المنتجة من موديل ما إلا أن كل قطعه تأخذ سحرها وشخصيتها الخاصة من روح مطرزها الذي أبدعتها يداه وتتأثر بمزاجــــه النفسي وهذا ما يفصلها ويفرقها عن مثيلاتها فتصبح كل قطعه هي وحده فريدة لن تتكرر مرة أخرى وأن عمل بها نفس الفنان الفطري.
وهذا ما يجعل كل عملائنا ينفردون بارتدائهم زيًّا طرز من وحى التاريخ خصيصًا لهم وبشكل أبديّ.
جذوري تمتد إلى شبة الجزيرة العربية وولدت في أعماق الريف في قرية صغيرة اسمها إخطاب مركز أجا محافظة الدقهلية عاصمتها المنصورة.
العمر: عبير وعباس وشروق أبوالحسن أولادى وجميعهم ساهموا معي في عملي في فترات مختلفة وشهيرة العزبي ومحي والحسين روحي وآرون هم أحفادي.
بدا مشواري مع الجلباب بالذات عندما أردت التعبير عن هويتي المصرية التأكد على عروبتي واعتزازي بتراثي الفني وعن أن أقلد الآخرين مما يطلقون عليهم ملوك الموضة ومعظمهم من أوروبا.
لا يوجد علاقة إطلاقًا بين دراستي بكلية التجارة وعالم الأزياء؛ وإنما نبتت صلتي بالأزياء بصفة عامة من حبي لكل ما هو جميل تراه العين فتسر به وينشرح الصدر.
الجمال أينما كان في الطبيعة أو المعمار أو الأثاث أي كل ما هو من صنع الله أو الإنسان هو إضافة وقيمة جمالية ترتقي بذوق الإنسان وتنقى روحة من شوائب القبح.
كانت بدايتي مع صديقتي الحميمة شهيرة محرز وهي معروفة بعشقها للتراث العربي ودراستها المتعمقة للآثار الإسلامية فكانت أول من فتح لي بابًا عريضًا على عالم واسع ورحب من الكتب والسفر ومشاهدة كل المناطق الغنية بتراثها من الأزياء.
أما عن من أين استوحي الأزياء (فكل ينفق مما عنده وأنا عندي تراثنا الجميل مليء ومشبع به وجداني) وهذا ما يظهر في الخطوط الأولى كرسم للتصميم ثم يتجسد منتجًا في شكل جلباب.
وبالرغم تشجيعي وانحيازي الواضح للقديم فهذا ليس معناه أن كل القديم جميل أو كل الجديد قبيح.
لا أعلم ما الذي يميز الأزياء التي أنتجها عن غيرها لانى لست على دراية بما يوجد بالسوق لأنه لا يوجد لدى وقت لذلك فإن ساعات عملي تمتد أحيانًا لتطغى على وقت حياتي الخاصة وما بين العمل والحياة الأسرية والاجتماعية وأوقات راحتي وسفري لا أجد متنفسًا لشيء آخر.
أنا والعاملين نعى أن لنا هدفًا واحدًا و هو إخراج زى مبذول فيه أقصى جهد ليصير اقرب ما يكون إلى ما هو في تصوري وقد أتعرض في بعض الأحيان إلى تعليق البعض من العاملين عندما أقول لهم ليس هذا ما فكرت فيه بالضبط ويكون ردهم أن عملاءنا لا يعرفون ما في رأسك فأجيب.. ولكنى أنا اعرف.
ومن هنا تعرف أنني أخاطب نفسي ولا أخاطب أحدًا يشترى أو لا يشترى فشمس تعامل شمس، فعندما لا أرضى عن شيء "أتركه جانبًا" وأبدأ من جديد.
قدمت عروض أزياء كثيرة داخل مصر وخارجها ولم يكن الهدف منها تجاريًا بقدر ما كان الترويج الثقافي لمنتج مصري.
أكثر الأوقات توترًا وقلقًا وشغفًا هي أوقات العمل في خلق زى جديد فالمراحل به كثيرة ومتداخلة وبه تفاصيل صغيرة إلى أن أراه ملبوسًا في شكله النهائي وأرضى عنه فهذه جائزتي واستمتاعي الحقيقي أما عملية إعادة الإنتاج فهذه عملية مرهقة تمامًا واعتبرها نكد العمل حيث هناك ضبط جودة كل مرحلة على حدة حتى المرحلة الأخيرة.
تعتبر مصر من أغنى - أن لم تكن أغنى - بلاد العالم بتراثها من الأزياء وذلك لتنوعها وتباينها واختلافها الشديد بعضا عن البعض تبعًا لكل منطقة فيوجد في مصر النوبة وتشتهر بالجرجار الشفاف الأسود من تحته الجلباب الملون بمختلف الألوان الزاهية وفي كل منطقة فيه جلباب مميز ومن اشهره التلى باسنا و هو جلباب من التلى الأسود مشغول بخيوط فضية تختلط بالخيط الأحمر في بعضها وتتنوع أشكال التطريز وتوزيعه من جلباب إلى آخر، والدلتا بها أبو روَّاش وميت حمل وطناش وسلمنت وكلها بها أشياء مشتركة.
ومصر الوسطي مشهورة بالملس والذي يرتدية أيضًا بعض قبائل العرب، وهناك الواحات الخارجة والداخلة والبحرية وكل منطقة لها زيها الخاص ولكن هناك شيء ما يربطها ببعض ثم تأتى واحة سيوه المتميزة والمنفردة بزيها الخاص وحليها الكثيرة وغطاء بل أغطية الرأس التي لا يماثلها في جمالها شيء، ثم بدوشمال سيناء أيضا يتميزون وينفردون بزى غنى بتطريزه بألوان جميلة متباينة ومتناغمة وهناك أيضا أحزمة وطرح مشغولة وقناع الوجه المليء بالعملات الفضية أو الذهبية وحليهم والرشايدة لهم زى خاص وبعيد كل البعد عن باقي الأزياء.
وفسلطين أيضًا لها تراثها الذي نعتز به من الأزياء وله أيضا تنوعه ولكن هناك دائمًا بين الأزياء المختلفة شيء مشترك في المنطقة الخاصة به والأردن أيضًا ودول الخليج ومنطقة أبها بالسعودية ولا تنسى الثوب الكويتي الذي ما زال يستخدم حتى الآن وهناك أيضًا تونس والمغرب والجزائر وسوريا.
جميع الخامات التي نستخدمها مصرية طبيعية، قطن مصري مصنع لنا فقط وحرير طبيعي مغزول ومنسوج يدويًا خصيصٍا لنا وخيوط قطن للتمكين. وخيوط التطريز إما قطن أو حرير ولا يوجد لون تتميز به منتجاتنا وإنما دائمًا معنا الأسود والأبيض والأحمر والبني والكاكى والأصفر والبرتقالي ثم ندخل من حين لأخر بعض الألوان الجديدة أننا ألان نستخدم (23) لونًا وهذا يساعدني أيضًا في إدخال أكثر من لون في الجلباب الواحد ولذلك ينبغي أن تكون الألوان متناغمة.
أنا لا أستدرج للعبة الموضة هذه فهي قيمة استهلاكية بحتة لتسويق بضاعة تفرض علينا من الغير. فرفع شعار أن لون ما أو طول أو قصات ما. هي الموضة، يتم لإجبار المرأة على الشراء ولماذا اخضع لذوق غيري ومن الذي فرض أو من الذي قرر أن هذه هي الموضة ؟
الموضة هي بمثابة تذوق جمالي بحت وما يناسبني هو الذي أحس فيه بأنه يعبر عنى وانه أنا ولست شخصًا آخر.
التطريز اليدوي عمل شاق نعم ولكنه يعرض بندرة إلى حد ما لطول المدة التي يستغرقها عمله ويقبل عليه المشترى لتفرده وقيمته.
ليس لي طموحات خاصة فقضاياي الخاصة هي قضايا العامة وهموم الوطن العربي هي همي الأكبر.
كلمة أخيرة:
إن أنماط الأزياء التقليدية هي في النهاية محدودة العدد ولكنها تمثل النبع الذي استقى منه مادة للابتكار والتجديد مستعينة أيضا بمفردات من تراث فنون أخرى بجانب الأزياء، أن اقتناء زى من التراث أو مستوحى منه هو مثل اقتناء قطعه مصاغ أصيلة فهي فضلاً عن نبل خاماتها وجمال صنعها تحمل أنفاس الماضي وتعيش طويلاً إذا لا يحكمها سياق الموضات التي بحكم طبيعتها تتبدل وتختفي.
في المواقع الخليجية، سنجد حديثًا مفصلاً عن حرفة التلي الشهيرة في بلدان الخليج، يمكننا أن نقدم نماذج محدودة منها:
1.
يطلق على التطريز في الخليج العربي اصطلاح محلي هو "تخوير" أو "خـوار" وكذلك "كورار" والخيوط المستخدمة في التطريز هي خيوط معدنيـة وتسمى هذه الخيوط بخيوط "الزري" وهو اصطلاح محلي يعني الذهب أو المذهبـة، وتسمى الخيوط المعدنية الصفراء الذهبية باسـم خيوط الذهب، أمـا الخيوط المعدنية البيضاء الفضية فتسمى التلي، وإلى جانب الخيوط المعدنية هناك خيوط الحرير الأصلـي وتسمى "البريم" وفي الفترات الأخيرة استخدمت الخيوط الصناعية النايلون ذات الألـوان البراقـة والأسعـار الرخيصة كبديل للخيوط المعدنيـة والحريرية التقليدية الغالية الثمن.
http://www.qataru.com/vb/archive/index.php/t-3972.html
2.
صناعة التلي التي اشتهرت بها نساء الإمارات في الماضي عن غيرها من نساء الخليج العربي. الوالدة موزة جمعة، تحدثت عن هذه المهنة التي مارستها في الماضي ولا تزال تمارسها، قائلة: يعتبر التلي جزءًا مهمًا من التراث المادي الجمالي في المجتمع، وهي من أعرق وأقدم الصناعات التطريزية الجمالية في الإمارات، فهي فن ومهنة نسائية مورست وتداولت في البيوت وبين الأقارب والجيران حيث كان يتوجب على الفتيات عندما يبلغن العاشرة تعلمها من أمهاتهن، خاصة أنه لم يكن هنالك مدارس أو أي عمل آخر نقوم به سوى تعلم بعض الحرف اليدوية.
والتلي في تشكيل ومفهوم فن التطريز عبارة عن بكرات تجتمع فيها خيوط القطن البيضاء مع بكرة من الفضة تتشابك معها في أكثر من تطريز. حيث يعتمد في تنفيذه على أدوات ومواد بسيطة وشبه متوافرة لعراقة هذه المهنة وانتشارها في أكثر بيوت الإمارات، ومن أهم أدواتها: الكاجوجة وتسمى كذلك “الكجيمة” وهي أساس عمل التلي وعبارة عن كرسي معدني مصنوع على شكل قمعين متقابلين ويتربع على القمع العلوي منه وسادة قطنية محشوة أسطوانية الشكل تثبت عليها ست بكرات من خيوط الصوف وواحدة من الخوص بواسطة الدبابيس. والخيوط القطنية عادة ما تكون على جانبي شريط التلي يتوسطها خيط الخوص الفضي الذي كان دارجا استخدامه في الماضي فقد كان اللون الفضي والذي كان من الفضة الخالصة هو الدارج في ذلك الوقت إلا انه مع توسع السوق وتنوع بضائعه تنوعت ألوان الخوص إلى الأحمر والبنفسجي وألوان أخرى عديدة.
وأوضحت أن هذه المشغولة عبارة عن عملية منظومة بشكل هندسي مرتب ودقيق حيث تجمّع الخيوط الست مع الخوصة بعقدة محكمة وتثبت على وسادة الكاجوجة بدبوس لإحكام ثبوته، وطريقة توزيع بكرات الخيوط تكون على الجانب الأيمن والأيسر بكرتان، وفي الوسط أيضا بكرتان بالإضافة إلى بكرة الخوص.
ويدخل التلي في أنواعه وتشكيلاته دهاليز طويلة ومتشابكة ذات أسماء تدخل في مضامينها الحجم والسمك ونوع التطريز وهي محدودة قديمًا حيث استخدمت في تطريز بسيط يركب على كم الكندورة أو الثوب وأحيانًا على الرقبة، وأيضا في تطريز يركب على كم أو نهايات السراويل الصغيرة وهو ما يسمى بالبادلة الصغيرة، كما أنها تسمى البادلة الكبيرة عندما تركب على السراويل الكبيرة باختلاف تركيبتها. والبادلة هي ما تكون عادة القطعة التي يتم تجديلها على “الكاجوجة” وتجمع لتكون القطعة المركبة على طرف السروال وتأخذ وقتًا طويلاً في تطريز وتنسيق جميع أجزائها وقد سميت ب”البادلة” لإمكانية تبديلها واستخدامها من سروال إلى آخر.
وكما تتطور الحياة يتطور الذوق العام وتتنوع أشكاله بما يتماشى وحاجة السوق ورغبته، في هذا دخلت صناعة التلي بعض المفاهيم الجمالية شبه الحديثة والمرتبطة بالتشكيلات البسيطة غير المعقدة لتدخل في تحديث بسيط وجزئي ارتبط بالتشكيل وليس بأساس التطريز ومنها: تلي بو فص: ويطرز بنفس طريقة التلي التقليدي عدا أن خيط الخوص الأوسط فضي اللون يتخلله كل 4 سم لون آخر بحجم الزر والتسمية ترجع لشكل التشكيلة. وتلي التعاون: يكون بنفس التلي التقليدي على أن يكون في تشكيله كل مترين لون واحد من الوان الخوص الوسطى مع توحيد اللون على الجانبين لكل الأمتار المطلوب تشكيلها. تلي الشطرنج: يوحد فيه لون الخوص في الوسط وتتغير الخيوط الجانبية بالتناوب لكل 2 سم. وتلي بوجنب: تختلف الخيوط المجدولة فيه في الجانب الأيمن عن الجانب الأيسر.
3.
التلي
وهي خيوط من أسلاك من القصب الذهبية الرفيع أو الفضية الملونة بالذهب وهي نتشري من التجار الهنود ، علشان تتزين بها المحارم وصدر الكرتة وأكمامها، حتى المناديل كانت تتزين بهادي التللي والمناديل كانت متممة للملابس النسائية واللي كانت تتزين بالحرير أو الكنتيل أو التللي.
ملابس أهل مكة
http://www.makkawi.com/forum/showthread.php?t=18704
4.
صناعة التلي
التلي.. هو عبارة عن مشغولات يدوية تستخدم بدل التطريزات لتزيين الأثواب والسراويل. يتكون من عدة خيـــوط ملــونة.. الخــيط الرئيسي هو عبارة عن خيط من الخوص و هو عبارة عن خيط لامع من النايلون الصناعي.. والخيــوط الأخرى من الصوف الرفيع. وكل خيط من الصوف يتكون من ستة خيوط ملفوفة على دولاب مدور من الخشب، والتـّلـــي يتكون من ستة دواليب من الصوف وواحدة من خيوط الخوص. وهذه المشغولة عبارة عن ظفيرة منظومة بشكل هندسي مرتب ودقيق.. وهذه الظفيرة من الخوص و الخيوط، تُـشغل على الكاجوجــة. الكاجوجه يا إخواني هي عبارة عن (القاعده) و هو مقعد لولبي من المعدن الخفيف، لها مقبضين صغيرين توضع بينهما وسادة لولبية الشكـل، هذان المقبضان يحجزان الوسادة من الوقوع (يثبتانها) تجمّــع جميع الخيــوط الستة مع الخوصة بعقدة محكمة وتثبت على وسادة الكاجوجة بدبوس لإحكام ثبوته.. و طريقة توزيع دواليب الخيوط تكون.. على الجانب الأيمن دولابين و على الجانب الأيسر دولابين، وفي الوسط دولابين بالإضافة إلى دولاب الخوص.. يتم عمل التّــلي بطريقة تداول الخيوط على محور الوسط بطريقة معينة بحيث يتخلل الخوص خيوط الصوف بشكل هندسي مرتب و جميل، أشبه بخلية النحل.. وكلما وصلت معجوفة الظفيرة لنهاية الوسادة تلف عليها المعجوفة وتبدأ من جديد وبنفس الطريقة.. إلى أن تبلغ الظفيرة الطول المطلوب. / http://www.alfrasha.com موقع الفراشة النسائي
5.
السروال والشيلة
وعن أهم ملامح زي المرأة قديمًا قالت بنت سيف: تحرص المرأة على لبس الكندورة العربية المشجرة أو المزراية أو المخورة أما الثوب تلبسه في المناسبات والأعياد بينما تلبسه الفتيات الصغيرات بمناسبة ختم القرآن الكريم التومينة وأشهر أنواعه الميزع وبو الآنات وبو الفرقوا ودح الماية وبو قفص تكون ألوانه أحمر وأخضر وأسود وفي العادة يكون للثوب ذيل طويل.
وأضافت أن المرأة تحرص على لبس السروال لتكتمل زينتها خاصة أن الكندورة يتم تطريزها بخيوط التلي وتزين أسفل السروال بالبادلة /خيوط من الخوص والفضة وخيوط عادية من اللون الأحمر والأسود وتستخدم الكاجوجة في تطريز خيوط التلي والبادلة التي تضفي على الكندورة والسروال لمعانًا وبريقًا يزيد من أناقة المرأة وجاذبيتها •
http://www.topuae.net/vb/showthread.php?t=41501
6.
التلي
التلي حرفة نسائية منتشرة في الإمارات بشكل كبير جدا بين النساء وتسمى ((تلي بوادل)) أو ((تلي بتول))، وقد جاءت هذه التسمية من التلي وهو شريط مزركش بخيوط ملونة... لون أبيض أو لون أحمر وخيوط فضية متداخلة بعضها في بعض وتستخدم (( الكجوجة)) في عمل التلي، والكجوجة في الأداة الرئيسة للتطريز وتتكون من قاعدة معدنية على شكل قمعين ملتصقين من الرأس وبها حلقتان على إحدى القواعد لتثبيت وسادة دائرية تلف عليها خيوط الذهب و الفضة للقيام بعملية التطريز.
أ – أنواع التلي:
للتلي أنواع كثيرة حسب حجم الخيط ونوع الزخرفة فيه وأهم هذه الأنواع هي:
1. بتول: أبو فاتلة واحدة ويكون على كم (( الكندورة)) الفستان أو الثوب
2. البادلة الصغيرة: وتركب على ((الخلق)) أو كما يسمى ((الصروال)) بعامية الإمارات في نهايته وهذا النوع يكون للسراويل الصغيرة.
3. البادلة الكبيرة: وتستخدم بنفس طريقة البادلة الصغيرة في السروايل مع اختلاف بسيط أي أنها توضع في السروايل الكبيرة
* والبادلة عادة ما تكون بيضاء اللون، أو ملونة وتلوينها يتم بواسطة الخيط ((أحمر + أخضر)). أما اللون الأبيض، فيكون فقط عند استخدام الزري ((الخوص)) الأبيض، و للملون يستخدم الوري الأصفر
ب- الأدوات اللازمة لعمل التلي:
1. الكجوجة: وهي عبارة عن قمعين متكاعسين ملتصقين و تصنع من المعدن.
2. المخدة ((الموسدة)): وسادة من القطن بيضاوية الشكل تلف عليها الخيوط لعمل التلي.
3. الدحاري: الجمع لكلمة (( دحروي)) وهي البكرة التي تلف عليها الخيوط المستخدمة في التلي و يتم صفها حسب نوع البادلة المراد صنعها.
4. ابر: لتثبيت التلي الموضوع دائريًا على (الموسده).
وهناك عدة نماذج من التلي:
1. بو فاتلة 2. بو فاتلتين 3. بو ثلاث.
2. وهناك أنواع تسمى: 1. الغولي 2. بروي 3. راس ابوي.
ج – عدد أو كميات الخيوط المستخدمة في كل نوع:
1. البتول: لصنعها يتم وضع 6 بكرات دحاري + دحروي واحد من الخوص.
2. البادلة: وهي حسب الحجم.
أ. الصغيرة: لصنعها يتم وضع 8 دحاري خيوط + دحرويين ( بكرتين) خوص.
ب. المتوسطة: لصنعها يتم وضع 8 دحاري خيوط + 3 دحاري خوص.
ج. الكبيرة: لصنعها يتم وضع 14 دحروي خيوط + 4 أو 5 دحاري خوص.
البادلة: لها أجزاء خاصة في تكوينها وحسب كبرها أو صغرها وكل جزء منها له اسم خاص، هذه الأجزاء، هي:
1. الغولي أو قيطان:
توضع بين الأجزاء وإذا كانت البادلة ملونة تكون الحاشية حمراء أو بيضاء أما إذا كانت البادلة بيضاء اللون فالحاشية تكون بيضاء
2. البيت: يتكون من 20 زري و 44 خيط و هو أنواع:
أ. النوع الأول: ( بيت مقفل) لأنه يوجد فيه فراغ بين كل غرزة أو أخرى حتى أن الخيط لا يستطيع أن يمر بينهمها، و هو عبارة عن مثلثات متقابلة.
ب. النوع الثاني: (بيت سير تعال): وسمي بذلك لأن خيط الخوص طالع ونازل فيه.
ج. النوع الثالث: (بيت أبو البيطان): و هو بيت مكون من مثلث واحد.
د. النوع الرابع: بيت (بقش الكرسي): وتكون الزخرفة داخل البيت على هيئة نصف دائرة وكل واحدة منها تتبع الأخرى.
3. راس لبلوى: تسمى نثرة منكسه وتكون الأخيرة في البادلة وتختم بها ولا تكون في الصغيرة.
3.
ما قمت بتحصيله من معارف جديدة من هذه التجربة الميدانية والبحثية مع التلي، كان أحد الروافد التي اعتمدت عليها خلال السنوات الماضية في صوغ الجوانب النظرية في موضوع الثقافة الشعبية من أجل التنمية.
في حماية الثقافة الشعبية من أجل التنمية
تُرى، هل ثمة إمكانية لمقاومة زحف المخاطر والتهديدات التي تستهدف - في الصميم - طمر الثقافة الشعبية ومأثوراتها وتراثها؟
قد يكون الجواب البديهي المباشر عن هذا السؤال هو أن مثل هذه الإمكانية منعدم الآن بعد أن فاتتنا فرص تاريخية لتحقيق هذه الإمكانية، و هو - في الحقيقة - جواب يتغذى من معاينة درجة الخلل الرهيبة في توازن القوى الثقافي - سواء على الصعيد الوطني الداخلي، أم على الصعيد الكوكبي الخارجي - بين ثقافة تتمتع برصيد هائل من الدعم والقوة والحماية، وأخرى مجردة من أية حماية وقائية تصد الهجمات الشرسات التي قد تتعرض إليها.
ليست هناك معجزات في الأفق، ولكن من المفيد القول بأن فعل العدوان والتهديد لا يحتل المشهد وحده، بل هو غالبًا ما يستنهض نقيضه، بسبب ما ينطوي عليه عنفه الرمزي من استفزاز لشخصية المعتدى عليه ومن تشبث بثقافته و هو يته. ماذا يمكن أن نسمى - مثلاً - حالة الانكفاء الثقافي للمغلوب إلى منظوماته الثقافية الشعبية والتقليدية؟ إنها شكل من الممانعة الثقافية ضد الاستسلام، ومحاولة البحث عن نقطة توازن في مواجهة عصف التيار الثقافي الجارف. إنها محاولة للاحتماء من عملية اقتلاع كاسحة، وهى تبدو أحيانًا دفاعًا سلبيًا عن الثقافة الشعبية والوعي الجمعي، لكنها تظل - في نهاية المطاف - مظهرًا من مظاهر المقاومة الثقافية المشروعة، وإن كان من الواجب القول بأن معركتها مع العولمة الثقافية خاسرة في النهاية، إن لم تتحول إلى مقاومة إيجابية تتسلح بالأدوات عينها التي تحققت بها الجراحة الثقافية للعولمة، كما أن مقاومتها للمتغيرات الجديدة والقيم الثقافية المكرسة والمُعَمَّمَة، الرسمية وغير الرسمية، يلزمها حماية ودعم يعيدان لها قدراتها على فرض الوجود، وتغيير موازين القوى الثقافية لصالحها.
اهتمت اليونسكو - طوال العقود الخمسة الأخيرة في القرن العشرين - بإرساء مجموعة كافية من الشروط والقواعد للسياسات الثقافية من أجل التنمية، وللدفاع عن الحقوق الثقافية وحمايتها للجماعات والأفراد. وانتهت اليونسكو إلى أن مف هو م التراث الثقافي قد اتسع في السنوات الأخيرة، بسبب التحولات العالمية في تسعينيات القرن العشرين، وترجع الشعبية المتزايدة التي يتمتع بها التراث الثقافي والاجتماعي إلى وعى متزايد لدى الناس بثرائه وبنواحي ضعفه. لذلك، تتعاظم أهمية تطبيق الدول للتدابير التشريعية والإدارية والتقنية والمالية التي سبق تحديدها لحماية تراثها. ثم إن مجموعة المعايير التي أعدت اليونسكو نفسها جزءًا كبيرًا منها، لا تقتضى، على ما يبدو، تجديدًا جذريًا؛ بل إن المطلوب هو تطبيقها تطبيقًا جذريًا. فعلى سبيل المثال، يُلاحظ أن هناك حزمة من الشروط التي أهملت كثيرًا ولم تنل - بعد - حقها من الاحترام الواجب: المبادئ الإرشادية الأساسية المتعلقة بحصر التراث الثقافي، وتدريب الموظفين المؤهلين، وإدارة التراث والمأثور بصورة متكاملة.
وقد توجت اليونسكو ج هو دها في هذا المضمار بصدور اتفاقية "حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي" في أكتوبر 2005، حيث جددت الاتفاقية - في أهدافها التسعة - التأكيد على أهمية الصلة بين الثقافة والتنمية بالنسبة لجميع البلدان، وبالأخص للبلدان النامية، ومساندة الأنشطة المضطلع بها على الصعيدين الوطني والدولي، لضمان الاعتراف بالقيمة الحقيقة لهذه الصلة. وجددت التأكيد على حق الدول السيادي في مواصلة سياساتها الوطنية واعتمادها وتنفيذها، واتخاذ التدابير التي تراها ملائمة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير على أراضيها. وفي الفقرة الخاصة بالمبادئ التوجيهية الثمانية للاتفاقية، اختص دور الثقافة في عملية التنمية بمبدأين منها:
مبدأ تكامل الجوانب الاقتصادية والثقافية للتنمية: لما كانت الثقافة أحد المحركات الرئيسية للتنمية، فإن الجوانب الثقافية للتنمية لا تقل أهمية عن جوانبها الاقتصادية، وللأفراد والشعوب حق أساسي في المشاركة فيها والتمتع بها.
مبدأ التنمية المستدامة: يشكل التنوع الثقافي ثروة نفيسة للأفراد والمجتمعات. وتعد حماية التنوع الثقافي وتعزيزه والحفاظ عليه شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة لصالح الأجيال الحاضرة والمقبلة.
في المستطاع تأمل بعض فقرات الوثيقة المهمة التي أعدتها اللجنة العالمية المعنية بالثقافة والتنمية، وطرحت على المؤتمر الدولي الحكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية، مع ملاحظة أنني لم أدرجها على نحو نصي؛ بل بتصرف ينهض على التفاعل مع مغزى الغايات التي استهدفتها منظمة اليونسكو:
سيتعين على كل مجتمع أن يقيم طبيعة تراثه الثقافي والطبيعي، وظروف ضعفه، وسياسات جمعه وحفظه، بحسب معاييره الخاصة، وأن يحدد مجالات استغلالها، والصلات التي يود إقامتها فيما بينها. ولذلك، فمن الأهمية أن تشارك في عملية "التحديد الجغرافي للتراث" في كل بلد، جميع فئات المجتمع. وبالمثل، ينبغي ألا تقع مسؤولية توفير السبل للاضطلاع بهذا العمل على الهيئات المركزية للدولة فحسب، بل أيضًا، إن لم يكن ذلك في المقام الأول، على البلديات [المحليات] والجمعيات الأهلية، والمناطق [الأقاليم]. وينبغي أن يكون الأسلوب المتبع في هذه العملية قائمًا على التجارب الراهنة والمعارف الجديدة؛ ذلك لأن الغرض لا يتمثل في الصون فحسب؛ بل أيضًا في إقامة صلات حكيمة بين الماضي والحاضر.
إن تلك الصلات بين كل هذه الأطراف ستزداد هشاشة - بلا شك - ما لم يكن هناك مدربون. لذا، ينبغي للأولوية الممنوحة لحصر التراث بالمعنى الواسع، أن تقترن بتدريب يشمل مجموعة كاملة من المهارات، ابتداءً من الجمع الميداني للمأثورات الشعبية، وانتهاء بتقنيات الصون العملية للتراث الشعبي، ذلك أن حماية المأثور وصون التراث لا يمكن أن يصبح حقيقة واقعة إلا بامتلاك التقنيات الميدانية والتكنولوجية والمعارف والدراية الفنية والدربة، التقليدية والمعاصرة في آن معًا. وإذا تسنى لهذا القدر الكبير من المأثور البقاء لهذه الفترة الطويلة، فإن ذلك يرجع إلى وجود أساليب تقليدية وطبيعية للحماية والصون سادت طوال قرون عدة في كثير من الثقافات. لكن، الآن، هل يمكن جمع هذه العناصر المترابطة في إطار رؤية سياسية واحدة، بحيث نقترب من الهدف الرئيسي المنشود، و هو ترسيخ عمليات الجمع والحماية والصون على المستوى المحلى، بحيث تصبح حقيقة علمية وعملية واقعة؟ ينبغي التشديد بالقوة نفسها على إدارة المأثور الشعبي غير المادي، الذي لا يُراعى بالقدر الكافي في عملية وضع السياسات، وربما يرجع ذلك إلى أن المأثور الشفهي واللغات (= اللهجات) ، وفنون الأداء التقليدية، والمعارف الشعبية والعادات والتقاليد والمعتقدات، لاتزال تندرج في إطار الممارسات الحياتية اليومية، ولكن حتى متى؟ فهده العناصر مهددة، ولا تقدر هشاشتها، وضعفها، وحاجتها إلى الحماية، حق قدرها، ولاتزال السياسات أكثر تركيزًا على الآثار والمواقع التاريخية. ومن شأن برنامج اليونسكو، الذي أصبح يركز منذ فترة قريبة، خلال عقد التسعينيات، على المأثور والتراث غير المادي، أن يسعف هذا الوضع، كما ينبغي للأطر السياسية الوطنية أن تمهد السبيل إلى هذا الاتجاه، ويتعين، في هذا المجال أيضًا، على الحكومة ومعها المؤسسات الأهلية، أن تضطلع بمسؤولية توعية الجمهور، ذلك لأن الثقافة الشعبية غير المادية، بعناصرها التراثية والمأثورة، التي تجد جذورها في المجتمعات الريفية وغيرها، أصبحت نوعًا من اللغز يتعيَّن إيضاحه، أو مجموعة من المعارف الجزئية يتعيَّن تجميعها وتنظيمها. إن عملية تجميع كل هذه العناصر وانتظامها في نسيج علمي / ثقافي جديد يضفى مغزى على مستقبل الثقافة الشعبية، ومستقبل المَلَكَة الإبداعية التي تتمتع بها الجماعات الشعبية.
إذا أريد للثقافة الشعبية أن تنتقل من حالة التهميش إلى احتلال الصميم في عملية رسم السياسات، فلابد من تعبئة المتخصصين لبلوغ هذا الهدف، في مؤسسات توفير المنهجية اللازمة، وجملة من الحوافز المتعاونة، فالقطاع الأكاديمي كثيرًا ما تتوفر لديه الكفاءات في تطبيق الأطر المف هو مية والمنهجيات، وقطاع المجتمع المحلى كثيرًا ما يمتلك المعارف المحلية اللازمة، في حين يمتلك القطاع الحكومي أكثر من غيره السلطات والموارد المطلوبة لتطبيق السياسات.
لا يمكن تنفيذ أية سياسة ثقافية، حتى وإن كانت أفضل السياسات إحاطة بواقع الحال، وأشدها تماسكًا وطموحًا، ما لم تتوافر عليها الأموال الكافية لذلك. كما لا يمكن تنفيذ هذه السياسة ما لم يُدرب باحثون أَكْـفَاء، فالتدريب أحد الشروط الرئيسة في سياسات الجمع الميداني وحماية الثقافة الشعبية ومأثوراتها وصون تراثها. كما لا يمكن إدارتها بالحكومة وحدها التي غالبًا ما تخصص معظم الميزانية المرصودة لقطاع الثقافة من أجل المدن الكبيرة، بينما يضعف الإنفاق على الأقاليم البعيدة عن مراكز السلطة. وهذه الأقاليم في الغالب الأعم هي الحاضنة للثقافة الشعبية. وبالتالي، فإنها حتمًا معرضة لعوامل التهديد دون حماية.
لقد أصبحت البلدان التي أدركت الأهمية الاستراتيجية لقضايا الثقافات الشعبية ودفع الذاتيات الثقافية إلى الازدهار وإدراجها في الحدث التنموي، تتمتع اليوم بوضع ممتاز على الصعيدين الاقتصادي والثقافي، بينما أصبحت البلدان التي أهملت هذه الأمور تواجه خيارين أحلاهما مر: فإما أن تخضع لفيض من المنتجات والمضامين الثقافية الأجنبية - الأمر الذي يستتبع دفع ضرائب باهظة، فضلاً عن الشعور المرير بالخطر المحدق بذاتيتها الثقافية - وإما أن تسلك سبيل الحماية باللجوء إلى الانغلاق. لذا، فإن تأسيس مجال وطني للمنتجات الثقافية السمعية والبصرية قائمة على اكتشاف جوانب الثقافة الشعبية، يمثل تجربة واعدة في مجال صون ملامح ثقافية تتصف بالخصوصية. مع الاحتراز كثيرًا، فقد أصبحت الثقافة الشعبية - في كثير من البلدان - تشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر الثقافة الجماهيرية، حيث تستخدم التقاليد وكل ما يخص المأثور الثقافي على نحو بات، في نظر الكثير، ألعوبة تستغل لأغراض تجارية؛ أي تحويل الأصول الثقافية إلى سلع، وإذا كانت السوق العالمية تدعى توفير فرص جديدة لحماية المأثور وإحياء التراث ومشاطرة الثقافة الشعبية، فهي تقترن أيضًا بمجموعة من الأخطار والمحاذير، لكنها أخطار يمكن التخفيف منها، إذا ما أمكن ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
يشكل إدراج النشاط الإبداعي الشعبي في تحسين العلاقات الاجتماعية مسألة رئيسية، فقد ظلت أشكال كثيرة للتعبير الشعبي تستخدم في البرامج الإنمائية من أجل تعزيز هو ية الجماعة وترسيخ الشعور بالانتماء إليها، ومن أجل التوعية بالظلم الاجتماعي وغيره من الإشكالات. واليوم، إذا أصبحت قوى الاستبعاد واللاتسامح تتنامى من جديد، صار النشاط الإبداعي أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذا ما أردنا للأفراد والجماعات أن يعيدوا تشكيل أنماط عيشهم معا, وأن ينشدوا صيغة جديدة في المعاشرة، على المستويين المحلى والعالمي، وذلك كشكل للاستجابة لتحدٍّ كبير يتمثل في تحقيق تنمية بشرية مُستدامة للقرن الحادي والعشرين.
إن التعددية الثقافية ليست بالأمر الجديد على عصرنا، إذ إن هناك مجتمعات كثيرة تتكون، منذ وقت طويل، من جماعات ثقافية مختلفة، وقد وجد كل منها طريقه الخاص لممارسة التنوع، بل إن طابع التعددية قد ازداد في الثقافة المعاصرة التي أصبحت تتصف ببعض السمات الفريدة التي تميزها عن ثقافات مجتمعات الفترة ما قبل الحديثة. كما أن هذه التعددية هي واقع معيش في ظل تزايد العولمة الاقتصادية والثقافية التي تؤدى إلى التماثل في مجالات عدة من ناحية، وإلى تزايد الوعي بالطابع من ناحية أخرى، غير أن التعددية الثقافية تستثير المخاوف بشأن فقدان ال هو ية، وتدفع إلى إعادة اكتشاف أو إبداع تقاليد ذاتية تؤكد الشعور بالاختلاف الثقافي، مع إضفاء صبغة المشروعية على هذا الشعور. ومع ذلك، فإن لكل مجتمع اختلافاته الثقافية، ليس على الصعيد الإثنيّ فحسب؛ بل كذلك على صعيد العلاقات بين الجنسين، واعتبارات السن، والمعتقدات الدينية، وتقاليد الفئات المهنية والاجتماعية، وغير ذلك من المجالات. ولقد عالجت بعض الدول هذه القضايا بتطبيق سياسات صريحة للتعددية الثقافية، بينما هناك دول أخرى تعالج هذه القضايا باعتماد مواقف تقوم على الاستيعاب الثقافي الذي يكاد لا يترك مجالاً للحفاظ على ممارسات ثقافية متميزة. إن معظم مجتمعات اليوم القوية تواجه ضرورة التوفيق بين مستلزمات الوحدة والتنوع بأساليب ملموسة في إطار الحياة اليومية، فبدون توافر الوحدة، لا يمكن لهذه المجتمعات أن تبقى متماسكة، وأن تتخذ وتنفذ قرارات ملزمة للجميع، ولا بد أن يتولد فيها الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة. أما التنوع، فلا يجب النظر إليه بوصفه أمرًا مفروضًا لا مفر منه؛ وإنما بوصفه عامل إثراء في مجال الوحدة
محمد حسن عبد الحافظ
الحوار المتمدن - العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث
ذات صباح في نهاية شهر يونيو عام 2003، هاتفني أستاذي الجليل الأستاذ الدكتور أحمد مرسي، وأبلغني باختياري في فريق العمل الميداني لتوثيق التلي، وطلب مني مقابلته على الفور في مكتبه بالهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية التي كان يرأس مجلس إدارتها آنذاك؛ لكي أقوم بحجز تذاكر السفر في القطار المتجه لأسيوط عصر اليوم التالي. في القطار عرفني أستاذي إلى الدكتورة نوال المسيري رئيسة فريق العمل، جلست إليها فشرحت لي تفاصيل المهمة الميدانية، انتبهت إلى قدرات الدكتورة نوال الخاصة جدًا، ولطالما تمنيت الالتقاء بشخصيات يحملون هذه السمات الهادئة والمنظمة في العمل. عرفت من الدكتورة نوال أن فكرة إحياء صناعة "التلي" وتنميتها بجنوب مصر قد برزت من خلال المجلس القومي للمرأة، وأثناء منقاشات لجنة "المرأة حافظة التراث". وقد تم اختيار تلك الحرفة التي كانت تنشر في جنوب مصر، وبالأخص في محافظة أسيوط؛ لأنها كانت علي وشك الاندثار. فمن هن على قيد الحياة ممن اشتغلن بتلك الحرفة واتقنها، صرن طاعنات في السن، ولم تعد للصنعة ما كان يميزها ويدفعها للنمووالانتشار.
التقيت للمرة الأولى أيضًا الدكتور إبراهيم حسين – رحمه الله - الذي رحل إثر حادث أليم عام 2004. وكان معنا الأستاذ أحمد عبدالرحيم - الذي صار "عم أحمد" بعد ذلك – والأستاذة سوزان، والأستاذ عاطف نوار. وفي أسيوط، انضم إلينا الأستاذ أيمن فاروق قادمًا من المنيا.
في اللحظات التي خلوت فيها إلى نفسي خلال ساعات السفر، كنت أتابع ما يدور من حوارات، وفي اللحظات نفسها كنت أفكر في ما سأقوم به من مهام، وبمن سأتصل بهم. بدا اهتمامي كبيرًا؛ لأنها المرة الأولى التي أشارك فيها بعمل ميداني جماعي، بمعية أستاذي الدكتور أحمد، مثَّل ذلك حدثًا مهمًا للغاية. كما أنها التجربة الميدانية الأولى التي أخوضها في مجال مختلف عن الأدب الشعبي. فلم تتعدَ معلوماتي عن الأزياء الشعبية أكثر مما قرأته في أعمال الفنان الراحل سعد الخادم في كتابيه: "الأزياء الشعبية" و"الفنون الشعبية في النوبة". بالإضافة إلى فكرة محزنة ترى أن أزياء المصريين قد تعرضت للمسخ مما جعل من أنماط الزي المصرية الراهنة مثلاً صارخًا للتشوه، لا ينافسه غير التشوه المعماري الفادح. استقر وعي على هذه الفكرة أثناء زياراتي لبلدان عربية أخرى اهتمت شعوبها وحكوماتها بالحفاظ على هذين الجوهرين الوطنيين (الأزياء والعمارة) لا سيما في اليمن وتونس والمغرب.
لم تتوفر لي تجارب ميدانية جماعية على هذا النحو. وأتذكر أن الدكتور مرسي حاول – ونحن طلبة في السنة الثانية من الليسانس – أن تقوم دفعتنا برحلة ميدانية إلى الفيوم بإشراف كلية الآداب جامعة القاهرة، ربما نبعت فكرة الدكتور مرسي من الرحلة الميدانية التي شارك فيها بإشراف كلية الآداب في نهاية الستينيات أو أوائل السبعينيات، فحاول إحياءها بعد انتهاء عمله مستشارًا ثقافيًا في إسبانيا (1986 – 1992) على غرار الرحلة الميدانية المذكورة. وأدركت من بعد الغصة التي حملها الدكتور مرسي بسبب تدهور أحوال المعهد العالي للفنون الشعبية الذي يعود إليه فضل إنشائه بهدف تكوين أجيال مدرَّبة تدريبًا علميًا منضبطًا على العمل الميداني في مختلف أقسام المأثورات الشعبية، فربما فكر في تنشيط قسم اللغة العربية الذي رأس مجلسه بعد عودته من إسبانيا، ولا أستطيع تخمين الأسباب التي عطلت تحقيق هذا المسعى، لكن الدكتور مرسي وجه دفعتنا (المحظوظة) إلى القيام بتجارب ميدانية فردية خلال إجازة منتصف العام الدراسي وتقديم نتاج ما قمنا بتسجيله مفرغًا، كجزء من أعمال السنة الدراسية.
خطط العمل العلمي والميداني بتلك المنطقة على أساس التوثيق أولاً والتنمية ثانيًا واستهدفت الرحلة توثيق وجمع موتيفات ذلك الفن وتأهيل عدد من الفتيات لكي يقمن بعمليات التدريب, وتعريفهن بما كن يجهلن من الموتيفات التي سيتم جمعها.
استهل الفريق الرحلة بزيارة لـ"بيت التلي"؛ بناية متميزة داخل حارة، شكل معماري أقرب للعمارة التقليدية المريحة بصريًا. داخل البيت مقتنيات فولكلورية مدهشة، تجعل من المكان علامة أسيوطية تراثية. كان استقبال الفنان الأسيوطي الجميل سعد زغلول حارًا وحميمًا. لم ألتقِ الفنان سعد زغلول قبل 2003، لكني تعرفت إليه قبل خمسة عشر عامًا من خلال أعماله الفنية التشكيلية، وأتذكر مواقف كثيرة كان ينقلها لنا الشاعر الكبير درويش الأسيوطي الذي قدَّم - ولا يزال - إسهامًا مهمًا في الحياة الأدبية والثقافية في جنوب مصر.
تحدث الدكتور مرسي موضحًا مهمة الفريق. ثم استمعنا لتجربة الأستاذ سعد زغلول في "بيت التلي". فقصَّ علينا تفاصيل تجربته الفريدة في اكتشاف السيدات العجائز اللائي كن يحترفن صنعة التلي، وفي تدريب الفتيات في القرى الواقعة غربي أسيوط، والأسر التي تحسن وضعها الاقتصادي بمشاركتها في إحياء هذه الصنعة القديمة، وج هو ده في تسويق المنتجات، كما عبَّر عن العوائق التي يواجهها وبعض نقاط الضعف في مشروع بيت التلي. وأتصور أن ما اطلعنا عليه في "بيت التلي" هو أبرز ما عاينته في الرحلة الميدانية، وأكثرها قربًا من المفاهيم التي احتوتها خطة العمل، ويرجع ذلك للوعي الفني الذي يتمتع به صاحب التجربة. وفي ظني أن تجربة "بيت التلي" تمثل نموذجًا جديرًا بالاحترام في مضمار التنمية الأهلية البديلة، وهي التنمية التي تنهض على الإمكانات الاقتصادية والثقافية الشعبية للمجتمع المحلي. وهي لا شك تجربة مخلصة يجب حمايتها ودعمها ورفع العوائق من أمامها.
في المجلس القومي للمرأة بأسيوط، كان هناك حشد كبير نساءً ورجالاً. أعتقد أن الدكتور مرسي (الأستاذ الحصيف) قد لاحظ ما لاحظته، فقرأ في وجوه الحاضرات والحاضرين حاجتهم للفهم والتحفيز (بعض رجال الأعمال الذين دعوا على عجل غادروا المكان سريعًا)، حيث اهتم الدكتور مرسي بالحديث عن تجربة "توليدو"، وهي مدينة إسبانية أثرية، تم صون معمارها وخططها القديمة التي تعود للعصر الأندلسي، وأُنشئت طرق واسعة (أربعة حارات ذهابًا ومثلها إيابًا) لتيسير الوصول إليها انطلاقًا من العاصمة مدريد، ورعت الحكومة الإسبانية مدها بالمرافق اللازمة، وقد حققت ما أرادت: عشرات الملايين من السائحين والإسبان يزورون توليدو كل عام، ولا يعود أحد إلا وهو يقتني منتجًا من صناعاتها الشعبية. يستطيع الزائر أن يشتري منتجًا بدولار، أو منتجًا بمليون دولار. مدينة تكتنز بجمال الصناعات التقليدية القديمة، وتحظى برعاية الدولة، ولا ينساها زائر. ثم يُعرِّج الدكتور مرسي على الإمكانات البشرية الهائلة التي تتمتع بها مصر في مجال الحرف الشعبية، ويرى أن بصونها وحمايتها يمكن أن تحتل مصر مكانة مرموقة عالميًا، وليس بعيدًا أن يمثل هذا المجال أحد أبرز الموارد الاقتصادية في مصر.
عندما أستعيد ما ذكره الدكتور مرسي في بيت التلي وفي مقر المجلس القومي للمرأة في أسيوط، أتذكر الفرق بين زيارتي الأولى إلى تونس عام 1992 والثانية عام 2006. ففي الأولى، كان أمر الصناعات التقليدية التونسية يناقش بجدية، ووضعت خطط حقيقية لتنشيط هذا المورد وتصعيده وطنيًا. وفي الثانية، قمت بتوثيق كل ما أتيح من الحرف الشعبية التونسية، وأدركت الأهمية الاقتصادية التي تحظى بها، ومردودها الاقتصادي الهائل للشعب التونسي، خاصة بعد تعديل وزارة السياحة، فصارت "وزارة السياحة والصناعات التقليدية". صحيح أن هناك مشكلات تقنية وعلمية في تحويل التراث المادي واللا مادي إلى سلع سياحية، حيث أثر ذلك في خصوصيته، حيث يظن الكثيرون بأن إكساب المنتج التقليدي موتيفات حديثة سوف تشد السائحين. سألت عددًا من الأسطوات في تونس عن أصل الوحدات الزخرفية في صناعة القيشاني، والصناعات الجلدية، والخشبية، فكانوا يردون: كي تشد الأجانب لاقتنائها. يحدث هذا في مصر أيضًا مثلما في تونس، والسبب الافتقار إلى فريق متخصص (صرت أكره أن أقول: لجنة متخصصة!) لحماية التشكيلات الفنية الأصيلة، وحمايتها من المسخ والتشويه. بالطبع التجديد أمر مطلوب، فأدوات الحياة تغيرت وبالتالي يمكن – في حالة التلي – التفكير بعد أن يتعاون متخصصون في مجالي التراث والتسويق في تطوير المنتوجات وربطها بالاحتياجات الحديثة (ستائر- أنماط زي حديثة - مفروشات - كسوة الأثاث ... إلخ) وتوفير أسواق خارجية وداخلية لنتاجات التلي. وفي الوقت نفسه، الحفاظ على التشكيلات الفنية الشعبية الأصلية والأصيلة لفن التلي.
اطلعنا على نشاط الهيئة العامة لقصور الثقافة وهي أخطر وأهم الهيئات الحكومية المصرية، حيث زرنا قصر ثقافة أحمد بهاء الدين، ووثقنا المعروض من الجلاليب والطُرح والمفارش. وبدا الأداء طيبًا، لكني أسفت – من بعد – للوائح المالية المعيقة لاستمرار جهود، فالبنات اللائي يعملن بحرفة التلي ليس لهن بنود مالية، ولا تنطبق القواعد المالية الحكومية مع متطلبات وظروف صناعة التلي التي تستغرق مشقة وقتًا طويلاً. وكنت أتمنى التوصل إلى إبداع وسيلة لإدراجهن كعاملات دائمات في الهيئة وتأمين استدامة هذا النشاط المهم لإحياء التلي وترويجه بما تمتلكه هيئة قصور الثقافة من بنية تحتية هي الأضخم في مصر.
زرنا كذلك جمعية الأمل، وشاهدنا المنتوجات المتميزة سواء من التلي وغيره، وحصلت على انطباع جيد عن نشاط الجمعية.
بذل عم أحمد عبدالرحيم جهدًا طيبًا في سوهاج (أخميم، وجزيرة شندويل على ما أذكر). كما نجح في توثيق الرسائل الجامعية التي اتخذت من الأزياء الشعبية موضوعًا لها، وخاصة أزياء التلي. ونجح عاطف نوار في استخدام أداة التصوير الرقمية للمرة الأولى في حياته، فقام بتوثيقها بالفيديو والصور الفوتوغرافية، واستطاع اكتساب مهارات أساسية من خلال هذه التجربة ويعمل على تنميتها منذ عام 2003.
لظروف خاصة، لم أستكمل العمل في مشروع إحياء التلي مع الجمعية المصرية للمأثورات الشعبية. لكني تابعت باهتمام الوثائق التي نشرت على الموقع الالكتروني للمجلس القومي للمرأة، والتي نشرت بعد ذلك في كتيب مطبوع، وكنت أتمنى إبقاءها متاحة على شبكة المعلومات الدولية؛ لكي يطلع عليها المهتمون خارج مصر، فضلاً عن متابعة المصريين الذين لم يتح لهم الحصول على الكتاب.
2.
بمناسبة الحديث عن المواقع الإلكترونية على شبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت)، تعد المواقع المصرية الأفقر في نشر معلومات وصور ودراسات متعلقة بالمأثورات الشعبية بصورة عامة، وخاصة الحرف الشعبية. بينما تتفوق المواقع والمنتديات الخليجية (الإمارات والبحرين وسلطنة عمان على وجه الخصوص) والفلسطينية والسورية واليمنية والمغاربية (ليبيا وتونس والمغرب وحتى موريتانيا) في إضاءة كل ما يتعلق بحرفها الشعبية وأزيائها وعمارتها وأدبها الشفهي. وبقدر احتفائي بهذه المواقع بقدر حزني بضعف التواجد الثقافي المصري الشعبي الكترونيًا. رغم ما نستمع إليه ليل نهار عن رقمنة المأثورات الشعبية المصرية. أستثني هنا جهد المركز القومي لتوثيق التراث الحضاري والطبيعي وفريق عمله المتميز بقيادة الدكتور فتحي صالح.
وفي ما يتعلق بالأزياء أود أن أشير هنا إلى موقع "الدكان" المتميز:
http://www.eddukkan.net/arabic/heritage.php
الذي يعرض منتجات مؤسسة الدكان من الأزياء المصرية الشعبية. والدكان شركة خاصة أسستها السيدة شمس محمد الأتربي، قدمت نفسها ومؤسستها وفلسفتها الخاصة في العمل بصورة متميزة للغاية، حيث تقول:
إن من أهم ما يميز منتجات الدكان هو اشتهارها بكونها الاسم رقم واحد في العالم في حرفه وفن التطريز اليدوي و النصف ميكنى ويضم فريق العمل حفنه من أمهر اسطوات التطريز الذين توارثوا تلك المهنة عن آبائهم وأجدادهم، بل يمكن القول أنهم توارثوا تلك الملكة أو الموهبة الفطرية ودائمًا ما تفخر المؤسسة بقوتها الضاربة من هؤلاء "فناني الفطرة".
ورغم عدد القطع المحدود الذي ننتجه من كل تصميم أو موديل جديد إلا انه يقوم بالعمل بنفس الموديل أكثر من مطرز وتصل أحيانًا إلى 4 أو خمسة أفراد وعلينا دائمًا أن نطبق معايير الجودة والمستوى الفني المطلوب على كل قطعه مكررة في كافه التفاصيل الفنية المركبة.
وبرغم التشابه الشديد للقطع المنتجة من موديل ما إلا أن كل قطعه تأخذ سحرها وشخصيتها الخاصة من روح مطرزها الذي أبدعتها يداه وتتأثر بمزاجــــه النفسي وهذا ما يفصلها ويفرقها عن مثيلاتها فتصبح كل قطعه هي وحده فريدة لن تتكرر مرة أخرى وأن عمل بها نفس الفنان الفطري.
وهذا ما يجعل كل عملائنا ينفردون بارتدائهم زيًّا طرز من وحى التاريخ خصيصًا لهم وبشكل أبديّ.
جذوري تمتد إلى شبة الجزيرة العربية وولدت في أعماق الريف في قرية صغيرة اسمها إخطاب مركز أجا محافظة الدقهلية عاصمتها المنصورة.
العمر: عبير وعباس وشروق أبوالحسن أولادى وجميعهم ساهموا معي في عملي في فترات مختلفة وشهيرة العزبي ومحي والحسين روحي وآرون هم أحفادي.
بدا مشواري مع الجلباب بالذات عندما أردت التعبير عن هويتي المصرية التأكد على عروبتي واعتزازي بتراثي الفني وعن أن أقلد الآخرين مما يطلقون عليهم ملوك الموضة ومعظمهم من أوروبا.
لا يوجد علاقة إطلاقًا بين دراستي بكلية التجارة وعالم الأزياء؛ وإنما نبتت صلتي بالأزياء بصفة عامة من حبي لكل ما هو جميل تراه العين فتسر به وينشرح الصدر.
الجمال أينما كان في الطبيعة أو المعمار أو الأثاث أي كل ما هو من صنع الله أو الإنسان هو إضافة وقيمة جمالية ترتقي بذوق الإنسان وتنقى روحة من شوائب القبح.
كانت بدايتي مع صديقتي الحميمة شهيرة محرز وهي معروفة بعشقها للتراث العربي ودراستها المتعمقة للآثار الإسلامية فكانت أول من فتح لي بابًا عريضًا على عالم واسع ورحب من الكتب والسفر ومشاهدة كل المناطق الغنية بتراثها من الأزياء.
أما عن من أين استوحي الأزياء (فكل ينفق مما عنده وأنا عندي تراثنا الجميل مليء ومشبع به وجداني) وهذا ما يظهر في الخطوط الأولى كرسم للتصميم ثم يتجسد منتجًا في شكل جلباب.
وبالرغم تشجيعي وانحيازي الواضح للقديم فهذا ليس معناه أن كل القديم جميل أو كل الجديد قبيح.
لا أعلم ما الذي يميز الأزياء التي أنتجها عن غيرها لانى لست على دراية بما يوجد بالسوق لأنه لا يوجد لدى وقت لذلك فإن ساعات عملي تمتد أحيانًا لتطغى على وقت حياتي الخاصة وما بين العمل والحياة الأسرية والاجتماعية وأوقات راحتي وسفري لا أجد متنفسًا لشيء آخر.
أنا والعاملين نعى أن لنا هدفًا واحدًا و هو إخراج زى مبذول فيه أقصى جهد ليصير اقرب ما يكون إلى ما هو في تصوري وقد أتعرض في بعض الأحيان إلى تعليق البعض من العاملين عندما أقول لهم ليس هذا ما فكرت فيه بالضبط ويكون ردهم أن عملاءنا لا يعرفون ما في رأسك فأجيب.. ولكنى أنا اعرف.
ومن هنا تعرف أنني أخاطب نفسي ولا أخاطب أحدًا يشترى أو لا يشترى فشمس تعامل شمس، فعندما لا أرضى عن شيء "أتركه جانبًا" وأبدأ من جديد.
قدمت عروض أزياء كثيرة داخل مصر وخارجها ولم يكن الهدف منها تجاريًا بقدر ما كان الترويج الثقافي لمنتج مصري.
أكثر الأوقات توترًا وقلقًا وشغفًا هي أوقات العمل في خلق زى جديد فالمراحل به كثيرة ومتداخلة وبه تفاصيل صغيرة إلى أن أراه ملبوسًا في شكله النهائي وأرضى عنه فهذه جائزتي واستمتاعي الحقيقي أما عملية إعادة الإنتاج فهذه عملية مرهقة تمامًا واعتبرها نكد العمل حيث هناك ضبط جودة كل مرحلة على حدة حتى المرحلة الأخيرة.
تعتبر مصر من أغنى - أن لم تكن أغنى - بلاد العالم بتراثها من الأزياء وذلك لتنوعها وتباينها واختلافها الشديد بعضا عن البعض تبعًا لكل منطقة فيوجد في مصر النوبة وتشتهر بالجرجار الشفاف الأسود من تحته الجلباب الملون بمختلف الألوان الزاهية وفي كل منطقة فيه جلباب مميز ومن اشهره التلى باسنا و هو جلباب من التلى الأسود مشغول بخيوط فضية تختلط بالخيط الأحمر في بعضها وتتنوع أشكال التطريز وتوزيعه من جلباب إلى آخر، والدلتا بها أبو روَّاش وميت حمل وطناش وسلمنت وكلها بها أشياء مشتركة.
ومصر الوسطي مشهورة بالملس والذي يرتدية أيضًا بعض قبائل العرب، وهناك الواحات الخارجة والداخلة والبحرية وكل منطقة لها زيها الخاص ولكن هناك شيء ما يربطها ببعض ثم تأتى واحة سيوه المتميزة والمنفردة بزيها الخاص وحليها الكثيرة وغطاء بل أغطية الرأس التي لا يماثلها في جمالها شيء، ثم بدوشمال سيناء أيضا يتميزون وينفردون بزى غنى بتطريزه بألوان جميلة متباينة ومتناغمة وهناك أيضا أحزمة وطرح مشغولة وقناع الوجه المليء بالعملات الفضية أو الذهبية وحليهم والرشايدة لهم زى خاص وبعيد كل البعد عن باقي الأزياء.
وفسلطين أيضًا لها تراثها الذي نعتز به من الأزياء وله أيضا تنوعه ولكن هناك دائمًا بين الأزياء المختلفة شيء مشترك في المنطقة الخاصة به والأردن أيضًا ودول الخليج ومنطقة أبها بالسعودية ولا تنسى الثوب الكويتي الذي ما زال يستخدم حتى الآن وهناك أيضًا تونس والمغرب والجزائر وسوريا.
جميع الخامات التي نستخدمها مصرية طبيعية، قطن مصري مصنع لنا فقط وحرير طبيعي مغزول ومنسوج يدويًا خصيصٍا لنا وخيوط قطن للتمكين. وخيوط التطريز إما قطن أو حرير ولا يوجد لون تتميز به منتجاتنا وإنما دائمًا معنا الأسود والأبيض والأحمر والبني والكاكى والأصفر والبرتقالي ثم ندخل من حين لأخر بعض الألوان الجديدة أننا ألان نستخدم (23) لونًا وهذا يساعدني أيضًا في إدخال أكثر من لون في الجلباب الواحد ولذلك ينبغي أن تكون الألوان متناغمة.
أنا لا أستدرج للعبة الموضة هذه فهي قيمة استهلاكية بحتة لتسويق بضاعة تفرض علينا من الغير. فرفع شعار أن لون ما أو طول أو قصات ما. هي الموضة، يتم لإجبار المرأة على الشراء ولماذا اخضع لذوق غيري ومن الذي فرض أو من الذي قرر أن هذه هي الموضة ؟
الموضة هي بمثابة تذوق جمالي بحت وما يناسبني هو الذي أحس فيه بأنه يعبر عنى وانه أنا ولست شخصًا آخر.
التطريز اليدوي عمل شاق نعم ولكنه يعرض بندرة إلى حد ما لطول المدة التي يستغرقها عمله ويقبل عليه المشترى لتفرده وقيمته.
ليس لي طموحات خاصة فقضاياي الخاصة هي قضايا العامة وهموم الوطن العربي هي همي الأكبر.
كلمة أخيرة:
إن أنماط الأزياء التقليدية هي في النهاية محدودة العدد ولكنها تمثل النبع الذي استقى منه مادة للابتكار والتجديد مستعينة أيضا بمفردات من تراث فنون أخرى بجانب الأزياء، أن اقتناء زى من التراث أو مستوحى منه هو مثل اقتناء قطعه مصاغ أصيلة فهي فضلاً عن نبل خاماتها وجمال صنعها تحمل أنفاس الماضي وتعيش طويلاً إذا لا يحكمها سياق الموضات التي بحكم طبيعتها تتبدل وتختفي.
في المواقع الخليجية، سنجد حديثًا مفصلاً عن حرفة التلي الشهيرة في بلدان الخليج، يمكننا أن نقدم نماذج محدودة منها:
1.
يطلق على التطريز في الخليج العربي اصطلاح محلي هو "تخوير" أو "خـوار" وكذلك "كورار" والخيوط المستخدمة في التطريز هي خيوط معدنيـة وتسمى هذه الخيوط بخيوط "الزري" وهو اصطلاح محلي يعني الذهب أو المذهبـة، وتسمى الخيوط المعدنية الصفراء الذهبية باسـم خيوط الذهب، أمـا الخيوط المعدنية البيضاء الفضية فتسمى التلي، وإلى جانب الخيوط المعدنية هناك خيوط الحرير الأصلـي وتسمى "البريم" وفي الفترات الأخيرة استخدمت الخيوط الصناعية النايلون ذات الألـوان البراقـة والأسعـار الرخيصة كبديل للخيوط المعدنيـة والحريرية التقليدية الغالية الثمن.
http://www.qataru.com/vb/archive/index.php/t-3972.html
2.
صناعة التلي التي اشتهرت بها نساء الإمارات في الماضي عن غيرها من نساء الخليج العربي. الوالدة موزة جمعة، تحدثت عن هذه المهنة التي مارستها في الماضي ولا تزال تمارسها، قائلة: يعتبر التلي جزءًا مهمًا من التراث المادي الجمالي في المجتمع، وهي من أعرق وأقدم الصناعات التطريزية الجمالية في الإمارات، فهي فن ومهنة نسائية مورست وتداولت في البيوت وبين الأقارب والجيران حيث كان يتوجب على الفتيات عندما يبلغن العاشرة تعلمها من أمهاتهن، خاصة أنه لم يكن هنالك مدارس أو أي عمل آخر نقوم به سوى تعلم بعض الحرف اليدوية.
والتلي في تشكيل ومفهوم فن التطريز عبارة عن بكرات تجتمع فيها خيوط القطن البيضاء مع بكرة من الفضة تتشابك معها في أكثر من تطريز. حيث يعتمد في تنفيذه على أدوات ومواد بسيطة وشبه متوافرة لعراقة هذه المهنة وانتشارها في أكثر بيوت الإمارات، ومن أهم أدواتها: الكاجوجة وتسمى كذلك “الكجيمة” وهي أساس عمل التلي وعبارة عن كرسي معدني مصنوع على شكل قمعين متقابلين ويتربع على القمع العلوي منه وسادة قطنية محشوة أسطوانية الشكل تثبت عليها ست بكرات من خيوط الصوف وواحدة من الخوص بواسطة الدبابيس. والخيوط القطنية عادة ما تكون على جانبي شريط التلي يتوسطها خيط الخوص الفضي الذي كان دارجا استخدامه في الماضي فقد كان اللون الفضي والذي كان من الفضة الخالصة هو الدارج في ذلك الوقت إلا انه مع توسع السوق وتنوع بضائعه تنوعت ألوان الخوص إلى الأحمر والبنفسجي وألوان أخرى عديدة.
وأوضحت أن هذه المشغولة عبارة عن عملية منظومة بشكل هندسي مرتب ودقيق حيث تجمّع الخيوط الست مع الخوصة بعقدة محكمة وتثبت على وسادة الكاجوجة بدبوس لإحكام ثبوته، وطريقة توزيع بكرات الخيوط تكون على الجانب الأيمن والأيسر بكرتان، وفي الوسط أيضا بكرتان بالإضافة إلى بكرة الخوص.
ويدخل التلي في أنواعه وتشكيلاته دهاليز طويلة ومتشابكة ذات أسماء تدخل في مضامينها الحجم والسمك ونوع التطريز وهي محدودة قديمًا حيث استخدمت في تطريز بسيط يركب على كم الكندورة أو الثوب وأحيانًا على الرقبة، وأيضا في تطريز يركب على كم أو نهايات السراويل الصغيرة وهو ما يسمى بالبادلة الصغيرة، كما أنها تسمى البادلة الكبيرة عندما تركب على السراويل الكبيرة باختلاف تركيبتها. والبادلة هي ما تكون عادة القطعة التي يتم تجديلها على “الكاجوجة” وتجمع لتكون القطعة المركبة على طرف السروال وتأخذ وقتًا طويلاً في تطريز وتنسيق جميع أجزائها وقد سميت ب”البادلة” لإمكانية تبديلها واستخدامها من سروال إلى آخر.
وكما تتطور الحياة يتطور الذوق العام وتتنوع أشكاله بما يتماشى وحاجة السوق ورغبته، في هذا دخلت صناعة التلي بعض المفاهيم الجمالية شبه الحديثة والمرتبطة بالتشكيلات البسيطة غير المعقدة لتدخل في تحديث بسيط وجزئي ارتبط بالتشكيل وليس بأساس التطريز ومنها: تلي بو فص: ويطرز بنفس طريقة التلي التقليدي عدا أن خيط الخوص الأوسط فضي اللون يتخلله كل 4 سم لون آخر بحجم الزر والتسمية ترجع لشكل التشكيلة. وتلي التعاون: يكون بنفس التلي التقليدي على أن يكون في تشكيله كل مترين لون واحد من الوان الخوص الوسطى مع توحيد اللون على الجانبين لكل الأمتار المطلوب تشكيلها. تلي الشطرنج: يوحد فيه لون الخوص في الوسط وتتغير الخيوط الجانبية بالتناوب لكل 2 سم. وتلي بوجنب: تختلف الخيوط المجدولة فيه في الجانب الأيمن عن الجانب الأيسر.
3.
التلي
وهي خيوط من أسلاك من القصب الذهبية الرفيع أو الفضية الملونة بالذهب وهي نتشري من التجار الهنود ، علشان تتزين بها المحارم وصدر الكرتة وأكمامها، حتى المناديل كانت تتزين بهادي التللي والمناديل كانت متممة للملابس النسائية واللي كانت تتزين بالحرير أو الكنتيل أو التللي.
ملابس أهل مكة
http://www.makkawi.com/forum/showthread.php?t=18704
4.
صناعة التلي
التلي.. هو عبارة عن مشغولات يدوية تستخدم بدل التطريزات لتزيين الأثواب والسراويل. يتكون من عدة خيـــوط ملــونة.. الخــيط الرئيسي هو عبارة عن خيط من الخوص و هو عبارة عن خيط لامع من النايلون الصناعي.. والخيــوط الأخرى من الصوف الرفيع. وكل خيط من الصوف يتكون من ستة خيوط ملفوفة على دولاب مدور من الخشب، والتـّلـــي يتكون من ستة دواليب من الصوف وواحدة من خيوط الخوص. وهذه المشغولة عبارة عن ظفيرة منظومة بشكل هندسي مرتب ودقيق.. وهذه الظفيرة من الخوص و الخيوط، تُـشغل على الكاجوجــة. الكاجوجه يا إخواني هي عبارة عن (القاعده) و هو مقعد لولبي من المعدن الخفيف، لها مقبضين صغيرين توضع بينهما وسادة لولبية الشكـل، هذان المقبضان يحجزان الوسادة من الوقوع (يثبتانها) تجمّــع جميع الخيــوط الستة مع الخوصة بعقدة محكمة وتثبت على وسادة الكاجوجة بدبوس لإحكام ثبوته.. و طريقة توزيع دواليب الخيوط تكون.. على الجانب الأيمن دولابين و على الجانب الأيسر دولابين، وفي الوسط دولابين بالإضافة إلى دولاب الخوص.. يتم عمل التّــلي بطريقة تداول الخيوط على محور الوسط بطريقة معينة بحيث يتخلل الخوص خيوط الصوف بشكل هندسي مرتب و جميل، أشبه بخلية النحل.. وكلما وصلت معجوفة الظفيرة لنهاية الوسادة تلف عليها المعجوفة وتبدأ من جديد وبنفس الطريقة.. إلى أن تبلغ الظفيرة الطول المطلوب. / http://www.alfrasha.com موقع الفراشة النسائي
5.
السروال والشيلة
وعن أهم ملامح زي المرأة قديمًا قالت بنت سيف: تحرص المرأة على لبس الكندورة العربية المشجرة أو المزراية أو المخورة أما الثوب تلبسه في المناسبات والأعياد بينما تلبسه الفتيات الصغيرات بمناسبة ختم القرآن الكريم التومينة وأشهر أنواعه الميزع وبو الآنات وبو الفرقوا ودح الماية وبو قفص تكون ألوانه أحمر وأخضر وأسود وفي العادة يكون للثوب ذيل طويل.
وأضافت أن المرأة تحرص على لبس السروال لتكتمل زينتها خاصة أن الكندورة يتم تطريزها بخيوط التلي وتزين أسفل السروال بالبادلة /خيوط من الخوص والفضة وخيوط عادية من اللون الأحمر والأسود وتستخدم الكاجوجة في تطريز خيوط التلي والبادلة التي تضفي على الكندورة والسروال لمعانًا وبريقًا يزيد من أناقة المرأة وجاذبيتها •
http://www.topuae.net/vb/showthread.php?t=41501
6.
التلي
التلي حرفة نسائية منتشرة في الإمارات بشكل كبير جدا بين النساء وتسمى ((تلي بوادل)) أو ((تلي بتول))، وقد جاءت هذه التسمية من التلي وهو شريط مزركش بخيوط ملونة... لون أبيض أو لون أحمر وخيوط فضية متداخلة بعضها في بعض وتستخدم (( الكجوجة)) في عمل التلي، والكجوجة في الأداة الرئيسة للتطريز وتتكون من قاعدة معدنية على شكل قمعين ملتصقين من الرأس وبها حلقتان على إحدى القواعد لتثبيت وسادة دائرية تلف عليها خيوط الذهب و الفضة للقيام بعملية التطريز.
أ – أنواع التلي:
للتلي أنواع كثيرة حسب حجم الخيط ونوع الزخرفة فيه وأهم هذه الأنواع هي:
1. بتول: أبو فاتلة واحدة ويكون على كم (( الكندورة)) الفستان أو الثوب
2. البادلة الصغيرة: وتركب على ((الخلق)) أو كما يسمى ((الصروال)) بعامية الإمارات في نهايته وهذا النوع يكون للسراويل الصغيرة.
3. البادلة الكبيرة: وتستخدم بنفس طريقة البادلة الصغيرة في السروايل مع اختلاف بسيط أي أنها توضع في السروايل الكبيرة
* والبادلة عادة ما تكون بيضاء اللون، أو ملونة وتلوينها يتم بواسطة الخيط ((أحمر + أخضر)). أما اللون الأبيض، فيكون فقط عند استخدام الزري ((الخوص)) الأبيض، و للملون يستخدم الوري الأصفر
ب- الأدوات اللازمة لعمل التلي:
1. الكجوجة: وهي عبارة عن قمعين متكاعسين ملتصقين و تصنع من المعدن.
2. المخدة ((الموسدة)): وسادة من القطن بيضاوية الشكل تلف عليها الخيوط لعمل التلي.
3. الدحاري: الجمع لكلمة (( دحروي)) وهي البكرة التي تلف عليها الخيوط المستخدمة في التلي و يتم صفها حسب نوع البادلة المراد صنعها.
4. ابر: لتثبيت التلي الموضوع دائريًا على (الموسده).
وهناك عدة نماذج من التلي:
1. بو فاتلة 2. بو فاتلتين 3. بو ثلاث.
2. وهناك أنواع تسمى: 1. الغولي 2. بروي 3. راس ابوي.
ج – عدد أو كميات الخيوط المستخدمة في كل نوع:
1. البتول: لصنعها يتم وضع 6 بكرات دحاري + دحروي واحد من الخوص.
2. البادلة: وهي حسب الحجم.
أ. الصغيرة: لصنعها يتم وضع 8 دحاري خيوط + دحرويين ( بكرتين) خوص.
ب. المتوسطة: لصنعها يتم وضع 8 دحاري خيوط + 3 دحاري خوص.
ج. الكبيرة: لصنعها يتم وضع 14 دحروي خيوط + 4 أو 5 دحاري خوص.
البادلة: لها أجزاء خاصة في تكوينها وحسب كبرها أو صغرها وكل جزء منها له اسم خاص، هذه الأجزاء، هي:
1. الغولي أو قيطان:
توضع بين الأجزاء وإذا كانت البادلة ملونة تكون الحاشية حمراء أو بيضاء أما إذا كانت البادلة بيضاء اللون فالحاشية تكون بيضاء
2. البيت: يتكون من 20 زري و 44 خيط و هو أنواع:
أ. النوع الأول: ( بيت مقفل) لأنه يوجد فيه فراغ بين كل غرزة أو أخرى حتى أن الخيط لا يستطيع أن يمر بينهمها، و هو عبارة عن مثلثات متقابلة.
ب. النوع الثاني: (بيت سير تعال): وسمي بذلك لأن خيط الخوص طالع ونازل فيه.
ج. النوع الثالث: (بيت أبو البيطان): و هو بيت مكون من مثلث واحد.
د. النوع الرابع: بيت (بقش الكرسي): وتكون الزخرفة داخل البيت على هيئة نصف دائرة وكل واحدة منها تتبع الأخرى.
3. راس لبلوى: تسمى نثرة منكسه وتكون الأخيرة في البادلة وتختم بها ولا تكون في الصغيرة.
3.
ما قمت بتحصيله من معارف جديدة من هذه التجربة الميدانية والبحثية مع التلي، كان أحد الروافد التي اعتمدت عليها خلال السنوات الماضية في صوغ الجوانب النظرية في موضوع الثقافة الشعبية من أجل التنمية.
في حماية الثقافة الشعبية من أجل التنمية
تُرى، هل ثمة إمكانية لمقاومة زحف المخاطر والتهديدات التي تستهدف - في الصميم - طمر الثقافة الشعبية ومأثوراتها وتراثها؟
قد يكون الجواب البديهي المباشر عن هذا السؤال هو أن مثل هذه الإمكانية منعدم الآن بعد أن فاتتنا فرص تاريخية لتحقيق هذه الإمكانية، و هو - في الحقيقة - جواب يتغذى من معاينة درجة الخلل الرهيبة في توازن القوى الثقافي - سواء على الصعيد الوطني الداخلي، أم على الصعيد الكوكبي الخارجي - بين ثقافة تتمتع برصيد هائل من الدعم والقوة والحماية، وأخرى مجردة من أية حماية وقائية تصد الهجمات الشرسات التي قد تتعرض إليها.
ليست هناك معجزات في الأفق، ولكن من المفيد القول بأن فعل العدوان والتهديد لا يحتل المشهد وحده، بل هو غالبًا ما يستنهض نقيضه، بسبب ما ينطوي عليه عنفه الرمزي من استفزاز لشخصية المعتدى عليه ومن تشبث بثقافته و هو يته. ماذا يمكن أن نسمى - مثلاً - حالة الانكفاء الثقافي للمغلوب إلى منظوماته الثقافية الشعبية والتقليدية؟ إنها شكل من الممانعة الثقافية ضد الاستسلام، ومحاولة البحث عن نقطة توازن في مواجهة عصف التيار الثقافي الجارف. إنها محاولة للاحتماء من عملية اقتلاع كاسحة، وهى تبدو أحيانًا دفاعًا سلبيًا عن الثقافة الشعبية والوعي الجمعي، لكنها تظل - في نهاية المطاف - مظهرًا من مظاهر المقاومة الثقافية المشروعة، وإن كان من الواجب القول بأن معركتها مع العولمة الثقافية خاسرة في النهاية، إن لم تتحول إلى مقاومة إيجابية تتسلح بالأدوات عينها التي تحققت بها الجراحة الثقافية للعولمة، كما أن مقاومتها للمتغيرات الجديدة والقيم الثقافية المكرسة والمُعَمَّمَة، الرسمية وغير الرسمية، يلزمها حماية ودعم يعيدان لها قدراتها على فرض الوجود، وتغيير موازين القوى الثقافية لصالحها.
اهتمت اليونسكو - طوال العقود الخمسة الأخيرة في القرن العشرين - بإرساء مجموعة كافية من الشروط والقواعد للسياسات الثقافية من أجل التنمية، وللدفاع عن الحقوق الثقافية وحمايتها للجماعات والأفراد. وانتهت اليونسكو إلى أن مف هو م التراث الثقافي قد اتسع في السنوات الأخيرة، بسبب التحولات العالمية في تسعينيات القرن العشرين، وترجع الشعبية المتزايدة التي يتمتع بها التراث الثقافي والاجتماعي إلى وعى متزايد لدى الناس بثرائه وبنواحي ضعفه. لذلك، تتعاظم أهمية تطبيق الدول للتدابير التشريعية والإدارية والتقنية والمالية التي سبق تحديدها لحماية تراثها. ثم إن مجموعة المعايير التي أعدت اليونسكو نفسها جزءًا كبيرًا منها، لا تقتضى، على ما يبدو، تجديدًا جذريًا؛ بل إن المطلوب هو تطبيقها تطبيقًا جذريًا. فعلى سبيل المثال، يُلاحظ أن هناك حزمة من الشروط التي أهملت كثيرًا ولم تنل - بعد - حقها من الاحترام الواجب: المبادئ الإرشادية الأساسية المتعلقة بحصر التراث الثقافي، وتدريب الموظفين المؤهلين، وإدارة التراث والمأثور بصورة متكاملة.
وقد توجت اليونسكو ج هو دها في هذا المضمار بصدور اتفاقية "حماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي" في أكتوبر 2005، حيث جددت الاتفاقية - في أهدافها التسعة - التأكيد على أهمية الصلة بين الثقافة والتنمية بالنسبة لجميع البلدان، وبالأخص للبلدان النامية، ومساندة الأنشطة المضطلع بها على الصعيدين الوطني والدولي، لضمان الاعتراف بالقيمة الحقيقة لهذه الصلة. وجددت التأكيد على حق الدول السيادي في مواصلة سياساتها الوطنية واعتمادها وتنفيذها، واتخاذ التدابير التي تراها ملائمة لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير على أراضيها. وفي الفقرة الخاصة بالمبادئ التوجيهية الثمانية للاتفاقية، اختص دور الثقافة في عملية التنمية بمبدأين منها:
مبدأ تكامل الجوانب الاقتصادية والثقافية للتنمية: لما كانت الثقافة أحد المحركات الرئيسية للتنمية، فإن الجوانب الثقافية للتنمية لا تقل أهمية عن جوانبها الاقتصادية، وللأفراد والشعوب حق أساسي في المشاركة فيها والتمتع بها.
مبدأ التنمية المستدامة: يشكل التنوع الثقافي ثروة نفيسة للأفراد والمجتمعات. وتعد حماية التنوع الثقافي وتعزيزه والحفاظ عليه شرطًا أساسيًا لتحقيق التنمية المستدامة لصالح الأجيال الحاضرة والمقبلة.
في المستطاع تأمل بعض فقرات الوثيقة المهمة التي أعدتها اللجنة العالمية المعنية بالثقافة والتنمية، وطرحت على المؤتمر الدولي الحكومي للسياسات الثقافية من أجل التنمية، مع ملاحظة أنني لم أدرجها على نحو نصي؛ بل بتصرف ينهض على التفاعل مع مغزى الغايات التي استهدفتها منظمة اليونسكو:
سيتعين على كل مجتمع أن يقيم طبيعة تراثه الثقافي والطبيعي، وظروف ضعفه، وسياسات جمعه وحفظه، بحسب معاييره الخاصة، وأن يحدد مجالات استغلالها، والصلات التي يود إقامتها فيما بينها. ولذلك، فمن الأهمية أن تشارك في عملية "التحديد الجغرافي للتراث" في كل بلد، جميع فئات المجتمع. وبالمثل، ينبغي ألا تقع مسؤولية توفير السبل للاضطلاع بهذا العمل على الهيئات المركزية للدولة فحسب، بل أيضًا، إن لم يكن ذلك في المقام الأول، على البلديات [المحليات] والجمعيات الأهلية، والمناطق [الأقاليم]. وينبغي أن يكون الأسلوب المتبع في هذه العملية قائمًا على التجارب الراهنة والمعارف الجديدة؛ ذلك لأن الغرض لا يتمثل في الصون فحسب؛ بل أيضًا في إقامة صلات حكيمة بين الماضي والحاضر.
إن تلك الصلات بين كل هذه الأطراف ستزداد هشاشة - بلا شك - ما لم يكن هناك مدربون. لذا، ينبغي للأولوية الممنوحة لحصر التراث بالمعنى الواسع، أن تقترن بتدريب يشمل مجموعة كاملة من المهارات، ابتداءً من الجمع الميداني للمأثورات الشعبية، وانتهاء بتقنيات الصون العملية للتراث الشعبي، ذلك أن حماية المأثور وصون التراث لا يمكن أن يصبح حقيقة واقعة إلا بامتلاك التقنيات الميدانية والتكنولوجية والمعارف والدراية الفنية والدربة، التقليدية والمعاصرة في آن معًا. وإذا تسنى لهذا القدر الكبير من المأثور البقاء لهذه الفترة الطويلة، فإن ذلك يرجع إلى وجود أساليب تقليدية وطبيعية للحماية والصون سادت طوال قرون عدة في كثير من الثقافات. لكن، الآن، هل يمكن جمع هذه العناصر المترابطة في إطار رؤية سياسية واحدة، بحيث نقترب من الهدف الرئيسي المنشود، و هو ترسيخ عمليات الجمع والحماية والصون على المستوى المحلى، بحيث تصبح حقيقة علمية وعملية واقعة؟ ينبغي التشديد بالقوة نفسها على إدارة المأثور الشعبي غير المادي، الذي لا يُراعى بالقدر الكافي في عملية وضع السياسات، وربما يرجع ذلك إلى أن المأثور الشفهي واللغات (= اللهجات) ، وفنون الأداء التقليدية، والمعارف الشعبية والعادات والتقاليد والمعتقدات، لاتزال تندرج في إطار الممارسات الحياتية اليومية، ولكن حتى متى؟ فهده العناصر مهددة، ولا تقدر هشاشتها، وضعفها، وحاجتها إلى الحماية، حق قدرها، ولاتزال السياسات أكثر تركيزًا على الآثار والمواقع التاريخية. ومن شأن برنامج اليونسكو، الذي أصبح يركز منذ فترة قريبة، خلال عقد التسعينيات، على المأثور والتراث غير المادي، أن يسعف هذا الوضع، كما ينبغي للأطر السياسية الوطنية أن تمهد السبيل إلى هذا الاتجاه، ويتعين، في هذا المجال أيضًا، على الحكومة ومعها المؤسسات الأهلية، أن تضطلع بمسؤولية توعية الجمهور، ذلك لأن الثقافة الشعبية غير المادية، بعناصرها التراثية والمأثورة، التي تجد جذورها في المجتمعات الريفية وغيرها، أصبحت نوعًا من اللغز يتعيَّن إيضاحه، أو مجموعة من المعارف الجزئية يتعيَّن تجميعها وتنظيمها. إن عملية تجميع كل هذه العناصر وانتظامها في نسيج علمي / ثقافي جديد يضفى مغزى على مستقبل الثقافة الشعبية، ومستقبل المَلَكَة الإبداعية التي تتمتع بها الجماعات الشعبية.
إذا أريد للثقافة الشعبية أن تنتقل من حالة التهميش إلى احتلال الصميم في عملية رسم السياسات، فلابد من تعبئة المتخصصين لبلوغ هذا الهدف، في مؤسسات توفير المنهجية اللازمة، وجملة من الحوافز المتعاونة، فالقطاع الأكاديمي كثيرًا ما تتوفر لديه الكفاءات في تطبيق الأطر المف هو مية والمنهجيات، وقطاع المجتمع المحلى كثيرًا ما يمتلك المعارف المحلية اللازمة، في حين يمتلك القطاع الحكومي أكثر من غيره السلطات والموارد المطلوبة لتطبيق السياسات.
لا يمكن تنفيذ أية سياسة ثقافية، حتى وإن كانت أفضل السياسات إحاطة بواقع الحال، وأشدها تماسكًا وطموحًا، ما لم تتوافر عليها الأموال الكافية لذلك. كما لا يمكن تنفيذ هذه السياسة ما لم يُدرب باحثون أَكْـفَاء، فالتدريب أحد الشروط الرئيسة في سياسات الجمع الميداني وحماية الثقافة الشعبية ومأثوراتها وصون تراثها. كما لا يمكن إدارتها بالحكومة وحدها التي غالبًا ما تخصص معظم الميزانية المرصودة لقطاع الثقافة من أجل المدن الكبيرة، بينما يضعف الإنفاق على الأقاليم البعيدة عن مراكز السلطة. وهذه الأقاليم في الغالب الأعم هي الحاضنة للثقافة الشعبية. وبالتالي، فإنها حتمًا معرضة لعوامل التهديد دون حماية.
لقد أصبحت البلدان التي أدركت الأهمية الاستراتيجية لقضايا الثقافات الشعبية ودفع الذاتيات الثقافية إلى الازدهار وإدراجها في الحدث التنموي، تتمتع اليوم بوضع ممتاز على الصعيدين الاقتصادي والثقافي، بينما أصبحت البلدان التي أهملت هذه الأمور تواجه خيارين أحلاهما مر: فإما أن تخضع لفيض من المنتجات والمضامين الثقافية الأجنبية - الأمر الذي يستتبع دفع ضرائب باهظة، فضلاً عن الشعور المرير بالخطر المحدق بذاتيتها الثقافية - وإما أن تسلك سبيل الحماية باللجوء إلى الانغلاق. لذا، فإن تأسيس مجال وطني للمنتجات الثقافية السمعية والبصرية قائمة على اكتشاف جوانب الثقافة الشعبية، يمثل تجربة واعدة في مجال صون ملامح ثقافية تتصف بالخصوصية. مع الاحتراز كثيرًا، فقد أصبحت الثقافة الشعبية - في كثير من البلدان - تشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر الثقافة الجماهيرية، حيث تستخدم التقاليد وكل ما يخص المأثور الثقافي على نحو بات، في نظر الكثير، ألعوبة تستغل لأغراض تجارية؛ أي تحويل الأصول الثقافية إلى سلع، وإذا كانت السوق العالمية تدعى توفير فرص جديدة لحماية المأثور وإحياء التراث ومشاطرة الثقافة الشعبية، فهي تقترن أيضًا بمجموعة من الأخطار والمحاذير، لكنها أخطار يمكن التخفيف منها، إذا ما أمكن ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة.
يشكل إدراج النشاط الإبداعي الشعبي في تحسين العلاقات الاجتماعية مسألة رئيسية، فقد ظلت أشكال كثيرة للتعبير الشعبي تستخدم في البرامج الإنمائية من أجل تعزيز هو ية الجماعة وترسيخ الشعور بالانتماء إليها، ومن أجل التوعية بالظلم الاجتماعي وغيره من الإشكالات. واليوم، إذا أصبحت قوى الاستبعاد واللاتسامح تتنامى من جديد، صار النشاط الإبداعي أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذا ما أردنا للأفراد والجماعات أن يعيدوا تشكيل أنماط عيشهم معا, وأن ينشدوا صيغة جديدة في المعاشرة، على المستويين المحلى والعالمي، وذلك كشكل للاستجابة لتحدٍّ كبير يتمثل في تحقيق تنمية بشرية مُستدامة للقرن الحادي والعشرين.
إن التعددية الثقافية ليست بالأمر الجديد على عصرنا، إذ إن هناك مجتمعات كثيرة تتكون، منذ وقت طويل، من جماعات ثقافية مختلفة، وقد وجد كل منها طريقه الخاص لممارسة التنوع، بل إن طابع التعددية قد ازداد في الثقافة المعاصرة التي أصبحت تتصف ببعض السمات الفريدة التي تميزها عن ثقافات مجتمعات الفترة ما قبل الحديثة. كما أن هذه التعددية هي واقع معيش في ظل تزايد العولمة الاقتصادية والثقافية التي تؤدى إلى التماثل في مجالات عدة من ناحية، وإلى تزايد الوعي بالطابع من ناحية أخرى، غير أن التعددية الثقافية تستثير المخاوف بشأن فقدان ال هو ية، وتدفع إلى إعادة اكتشاف أو إبداع تقاليد ذاتية تؤكد الشعور بالاختلاف الثقافي، مع إضفاء صبغة المشروعية على هذا الشعور. ومع ذلك، فإن لكل مجتمع اختلافاته الثقافية، ليس على الصعيد الإثنيّ فحسب؛ بل كذلك على صعيد العلاقات بين الجنسين، واعتبارات السن، والمعتقدات الدينية، وتقاليد الفئات المهنية والاجتماعية، وغير ذلك من المجالات. ولقد عالجت بعض الدول هذه القضايا بتطبيق سياسات صريحة للتعددية الثقافية، بينما هناك دول أخرى تعالج هذه القضايا باعتماد مواقف تقوم على الاستيعاب الثقافي الذي يكاد لا يترك مجالاً للحفاظ على ممارسات ثقافية متميزة. إن معظم مجتمعات اليوم القوية تواجه ضرورة التوفيق بين مستلزمات الوحدة والتنوع بأساليب ملموسة في إطار الحياة اليومية، فبدون توافر الوحدة، لا يمكن لهذه المجتمعات أن تبقى متماسكة، وأن تتخذ وتنفذ قرارات ملزمة للجميع، ولا بد أن يتولد فيها الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة. أما التنوع، فلا يجب النظر إليه بوصفه أمرًا مفروضًا لا مفر منه؛ وإنما بوصفه عامل إثراء في مجال الوحدة
محمد حسن عبد الحافظ
الحوار المتمدن - العدد: 1940 - 2007 / 6 / 8
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث
احمدصلاح خطاب- عدد المساهمات : 127
تاريخ التسجيل : 02/12/2009
العمر : 39
الموقع : http://kenanaonline.com/ahmedsalahkhtab
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى