واحة سيوة .. حكاية لها العجب
صفحة 1 من اصل 1
واحة سيوة .. حكاية لها العجب
في قلب الصحراء وبعيدًا عن مدن العمران بمئات الكيلومترات تقع واحدة من البقاع التي ما إن تطأها قدماك حتى يتوقف بك الزمن وتعود بك عجلاته آلاف السنين، لتفاجأ بعالم غريب وعجيب يمتزج فيه الواقع بالخرافة وتختلط الحكايات بالأساطير وتتجاور الطقوس مع الأعياد والاحتفالات؛ لتصنع لنا أسطورة اسمها واحة "سيوة" المصرية، أجمل ما فيها أنها كلها حكايات في زمن لم يَعُد به من الوقت ما يسمح بالحكي، بعد أن دخل أهله طاحونة الحياة التي لا تتوقف.
ومن الصعب إذا أردت الحديث عن واحة سيوة الكبرى أن تقنع من تحدثه أنك تتكلم في الحاضر وليس الماضي السحيق، والأصعب منه أن تبحث عن نقطة البدء، فبأي خيوط الأسطورة نبدأ: من كرامات سيدي سليمان؟ أم جبل الدكرور؟؟
يمكن أن أبدأ من حكاية الغولة أو من جبل الموتى.. لا أدري.. فالحكايات والأساطير والعادات ثرية ثراء هذه البقعة الخلابة.. لكن لنبدأ من دعوة الشيخ الطرابلسي التي تركت بصمتها علي كل شيء في سيوة.
دعوة الشيخ التي أصابت واحة الجارة
كان الشيخ الطرابلسي قادمًا من ليبيا في طريقه إلى الحجاز سيرًا على الأقدام لأداء فريضة الحج، فمر بواحة "الجارة" أو "أم الصغير" إحدى الواحات السيوية الصغيرة فرشقه بعض الصبية بالحجارة، فدعا عليهم الشيخ بقلة النسل، وقد كان.
هذا ما استقر في ذاكرة أهالي الواحة التي تُعَدّ أصغر واحة في مصر حيث لا يتعدى سكانها 340 نسمة لا يزيدون ولا ينقصون، ويسود اعتقاد قديم لدى الأهالي أنهم لو أنجبوا طفلا في الصباح فإن شيخًا من كبار السن سيموت في المساء، وتصادف أنه كثيرا ما كان يحدث ذلك.
وحين تزور واحة الجارة عليك أن تقطع 130 كم من واحة سيوة حتى تصل إلى هذه الواحة التي يحيط بها من الخارج سور أشبه بأسوار القلاع له باب واحد فقط يغلق على سكانها في المساء خوفًا من الضباع التي تعيش بكثرة على تخومها وتهدد أهل الواحة وتفتك بثروتهم الحيوانية.
وأهل "الجارة" ظلوا حتى قيام ثورة يوليو 1952 لا يعرفون شكلاً من أشكال العملة النقدية مكتفين بالمقايضة، وهم يعيشون -إلى الآن- على الزيتون والبلح ويستخدمونه في المقايضة بما يحتاجونه من سكان القرى الأخرى والأغراب، وهم في حياتهم أشبه بجدارية عتيقة، فمنذ قديم الأزل لا يفكرون إلا في دعوة الشيخ الطرابلسي، ويدعون الله أن تنتهي هذه اللعنة التي أصابت نسلهم!.
عيد الليالي القمرية
وفي كل عام عندما يحل شهر أكتوبر وعند اكتمال القمر تبدأ احتفالات أهالي سيوة بعيد الليالي القمرية أو "عيد السلام"، فعند سفح جبل الدكرور يجتمع السيويون شيوخا وشبابا وأطفالا ونساء، تاركين منازلهم، يجتمعون على مائدة واحدة، حيث يحمل كل شيخ قبيلة مائدة من الطعام على رأسه ليقدمها لكل الناس، لا فرق بين غني وفقير، ولا يبدءون في تناول الطعام قبل إطلاق إشارة البدء من شخص يسمى القدوة يجلس في أعلى مكان على الجبل، وبعدها تبدأ الاحتفالات والأناشيد لأهم عيد في سيوة. وعندما يحل مساء اليوم الأول للاحتفالات يجلس شيوخ القبائل يروون قصص البطولات والتصدي للغزاة وأمجاد سيوة القديمة ويروون أشهر قصة تصالح وهو التصالح الكبير بين السيويين الشرقيين والغربيين والذي كان الفضل فيه للشيخ أحمد الظافر المدني الذي صاهر بين الشرقيين والغربيين ليسود التسامح وتذهب الخلافات، ومن هنا اتخذ هذا اليوم من كل عام ذكرى طيبة للاحتفال بعيد السلام كعيد قومي للواحة.
وفي "يوم المصالحات" تعقد المصالحات لإنهاء الخلافات بين القبائل، وبعد التصالح يتناول الجميع الغذاء، دليلا على انتهاء أي خصومات وقعت على مدار العام
وفي اليوم الثالث يرتدي شخص جلبابا أبيض ويطوف على المنازل ليأخذ من كل بيت شيئا يؤكل، ويتم عمل وليمة كبيرة يتجمع الأهالي لها مرة أخرى؛ تأكيدا للتصافي والتسامح، وتسمى هذه الوجبة "النفخة"، ويزور هذا العيد -عيد الليالي القمرية- نحو 30 ألف زائر وسائح سنويا ليشاهدوا هذه الطقوس السيوية العريقة.
جبل الدكرور
وجبل الدكرور هو الجبل الذي يشهد "عيد السلام السنوي" وهو يقع على بعد 5 كم جنوب مدينة سيوة، ويتميز الجبل بجوه الصحي وتتوفر فيه المياه العذبة وتستخدم رماله في علاج الروماتيزم عن طريق حمامات الرمال الساخنة، حيث توجد خمسة أنواع متخصصة من هذه الحمامات، وهناك أشخاص بأعينهم متخصصون في دفن أجسام أولئك الذين يعانون من آلام الروماتيزم والروماتويد والتهاب الأعصاب، وتختلف فترة الحمام الرملي حسب الحالة المرضية.
وفي جبل الدكرور توجد أيضا مقابر منحوتة في الصخر يعود تاريخها إلى العصر البطليمي قبل آلاف السنين، وتوجد مقبرتان كبيرتان يسهل الوصول إليهما، وكل المقابر خالية من أي نقوش على جدرانها.
حلي الصالحات
ملابس الفتيات السيويات وما يتحلين به من حلي فضية، هو أول ما يجذب الأنظار لمن يزور هذه الواحة، فهن يلبسن ثيابا زاهية الألوان لها أكمام طويلة واسعة، ويضعن حول أعناقهن عقودا من الخرز. وما زالت بعض الفتيات يصففن شعورهن في جدائل متعددة، وتنفق الفتاة ساعات في تصفيفه، وفي كل مرة تخرج المرأة السيوية لزيارة قريبة أو تهنئة جارة بمولد جديد فإنها ترتدي عدة أثواب فوق بعضها، ومهما كان العدد فإن الثوب الخارجي يجب أن يكون أسود اللون مطرزا بزخارف مشغولة بالحرير متعددة الألوان.
وفي داخل المنزل يكون للمرأة السيوية أن تخلع الثوب الأسود وتبقى بالثوب ذي اللون الزاهي والأكمام الطويلة الواسعة.
والحلي السيوية تتكون من أساور عريضة فضية وخواتم وأنواع مختلفة من العقود وخاصة العقد المسمى "الصالحات" وهو يتكون من ست قطع على شكل هلالي، يوضع بين كل اثنين من الفضة والمرجان، ويتحلى النساء بالأقراط، وهي إما خفيفة وتتدلى من ثقب من حلمة الأذن أو ثقيلة تتدلى على جانبي الرأس في نفس مستوى الأذنين.
ويبلغ حلي بعض النساء في العائلات الغنية أكثر من عشرة أرطال، والحليتان الرئيسيتان هما "الأغرو" وهو فضي تحرص السيدة الثرية في سيوة على ارتدائه. و"التعليق" وهو قرط يتدلى على جانبي الرأس يتكون كل جانب منه من عدة سلاسل فضية مثبتة في حلية هلالية الشكل، وتنتهي كل سلسلة منها بجلجلة ، أما أدوات التجميل عند المرأة السيوية فهي الكحل والأعشاب الطبيعية.
عرس مبارك
في عصر يوم عقد الزواج ترتدي العروس أبهي ملابسها وتذهب مباشرة في صحبة بعض نساء أسرتها وقليل من الذكور من أقاربها لتغسل وجهها ويديها وقدميها في عين طموس، من ضمن أكثر من مائتي عين وينبوع للشرب والتداوي تملأ واحات سيوة، لتبارك هذا الزواج، وعند هذه العين المباركة تقوم بخلع حزامها وتعطيه لأمها أو إحدى خالاتها لكي تستخدمه إحدى بنات العائلة في المستقبل.
وتظل النسوة ترددن الأغاني في طريق رجوعهن من العين حتى يقابلن نساء أهل العريس اللاتي يكن في انتظارهن عند مكان معين، ثم يذهبن جميعا إلى منزل العروس، وفي المساء يذهب العريس إلى منزل عروسه وتبدأ الرقصات والموسيقي في العزف ثم يأخذ عروسه إلى منزله.
ووليمة العرس تسمى "الزقاة" وهو طعام مألوف في سيوة يقدم لضيوف حفل الزواج وملابس العرس في ليلة الزفاف سبعة فساتين فوق بعضها البعض؛ الأول وهو الملاصق للبشرة يكون أبيض اللون خفيفا شفافا، والثاني أحمر شفاف، والثالث أسود، والرابع أصفر، والخامس أزرق، والسادس من الحرير الوردي، والسابع وهو الخارجي من الحرير الأخضر. فوق كل هذا ترتدي فستانا خاصا بالزفاف مطرزا بتطريز غالي التكاليف حول الرقبة، وتضع على رأسها شالا من الحرير الأحمر.
ميلاد طفل
الاحتفالات بميلاد طفل كثيرة خصوصا إذا كان ذكرا أو كان والداه من أسرة غنية، وعقب الولادة التي تشرف عليها القابلة تستلقي المرأة على كليم مفروش على الأرض لمدة سبعة أو عشرة أيام، ولا يزورها في هذه الفترة إلا الصديقات والمقربات. أما في اليوم السابع فهو يوم الاحتفالات؛ إذ يأتي أقارب المرأة والأصدقاء مصطحبين أولادهم ليحتفلوا بالمولود الجديد ويشارك النسوة في إعداد وجبة خاصة بهذه المناسبة يدخل في أصنافها السمك المملح، وهذا النوع من الطعام تقليد جروا عليه تيمنا بولادة سيدي سليمان إمام السيويين.
ويبدأ الأب والأم في تسمية المولود بعد هذه الوجبة، ثم تقوم القابلة بوضع علامات على وجنات الطفل وعلى أنفه ورجليه مستخدمة في ذلك عجينة الحنة، ثم تندفع الجموع إلى الشوارع والأسواق ينادون بأعلى أصواتهم باسم المولود واسم والده، وبعد أن يرحل الأولاد يؤتى بإناء مصنوع من الفخار، حيث ترقد الأم في الغرفة ويكون الإناء مملوءا إلى منتصفه بالماء حيث تقوم كل امرأة بإلقاء حليها داخل هذا الإناء وتكون النساء حلقة حوله رافعين إياه وسط تراتيل تنشدها القابلة بالدعوات للطفل أن يحيا حياة سعيدة، ثم يرفع الإناء إلى أعلى وأسفل سبع مرات ثم يكسر الإناء إلى أجزاء وتستعيد كل امرأة حليها. ويعتقد أن كسر الإناء الفخاري يعمل على اتقاء شر الحسد ويضمن للطفل حياة سعيدة.
وفي حالة الولادة الأولى يستدعي الأب الحلاق ويقوم بإعطائه مثل وزن شعر الطفل من الفضة إن كانت الأسرة فقيرة الحال أو مثل وزنه ذهبا إن كانت غنية.
الغولة والروح الشريرة
الغولة هي
المرأة السيوية التي يتوفى زوجها، فأهل سيوة يعتقدون أن الأرملة لديها عين قوية حسودة تجلب سوء الحظ لمن تقع عليه!
وحين يتوفى زوج هذه الأرملة المسكينة التي قد لا تتجاوز السبعة عشر عاما يصحبها أهلها مرة أخرى إلى "عين طموس" الذي اغتسلت فيه يوم زواجها لتخلع هناك حليها وثيابها المعتادة وترتدي ثوبا أبيض علامة على الحزن والحداد، ثم تعيش في عزلة تامة أربعين يوما؛ ينبغي خلالها ألا تأكل شيئا من اللحوم ولا يسمح لها في هذه الفترة بالاغتسال أو تغيير ثوبها، ثم تظل سنة بعد وفاة زوجها لا يحق لها أن تتزوج إلا بعدها!
من هم السيويون؟
أهل سيوة كلهم مسلمون وغالبيتهم ينتمون إلى الطريقة السنوسية التي تنتشر شمال أفريقيا، أو الطريقة الميدانية التي تنتهي إلى الشيخ أحمد الظافر المدني، ووجوه أهلها السمراء ذات الملامح البدوية بسيطة تشبه بساطة منازلهم المصنوعة من الطوب اللبن والتي لم تصبها لعنات الكتل الخرسانية. فالسيوي - الذي ينحدر من أصول اختلط فيها العربي بالبربري بل والزنجي - لم تجرفه تيارات المدنية الحديثة، وما زال متمسكا بعاداته وتقاليده التي ورثها عن الأجداد، وهو دائما ما يبدي أسفه من أولئك الذين تخلو عن عاداتهم ونسوا تراثهم.
السيوي شخص محافظ ليس من طباعه تشجيع العلاقات الحميمة مع الغرباء، وهو ما جعل سيوة أقرب إلى عالم مستقل بذاته على مر السنين رغم أنها تتبع الدولة المصرية منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة!
منقول
مع تحياتى احمد صلاح خطاب
ومن الصعب إذا أردت الحديث عن واحة سيوة الكبرى أن تقنع من تحدثه أنك تتكلم في الحاضر وليس الماضي السحيق، والأصعب منه أن تبحث عن نقطة البدء، فبأي خيوط الأسطورة نبدأ: من كرامات سيدي سليمان؟ أم جبل الدكرور؟؟
يمكن أن أبدأ من حكاية الغولة أو من جبل الموتى.. لا أدري.. فالحكايات والأساطير والعادات ثرية ثراء هذه البقعة الخلابة.. لكن لنبدأ من دعوة الشيخ الطرابلسي التي تركت بصمتها علي كل شيء في سيوة.
دعوة الشيخ التي أصابت واحة الجارة
كان الشيخ الطرابلسي قادمًا من ليبيا في طريقه إلى الحجاز سيرًا على الأقدام لأداء فريضة الحج، فمر بواحة "الجارة" أو "أم الصغير" إحدى الواحات السيوية الصغيرة فرشقه بعض الصبية بالحجارة، فدعا عليهم الشيخ بقلة النسل، وقد كان.
هذا ما استقر في ذاكرة أهالي الواحة التي تُعَدّ أصغر واحة في مصر حيث لا يتعدى سكانها 340 نسمة لا يزيدون ولا ينقصون، ويسود اعتقاد قديم لدى الأهالي أنهم لو أنجبوا طفلا في الصباح فإن شيخًا من كبار السن سيموت في المساء، وتصادف أنه كثيرا ما كان يحدث ذلك.
وحين تزور واحة الجارة عليك أن تقطع 130 كم من واحة سيوة حتى تصل إلى هذه الواحة التي يحيط بها من الخارج سور أشبه بأسوار القلاع له باب واحد فقط يغلق على سكانها في المساء خوفًا من الضباع التي تعيش بكثرة على تخومها وتهدد أهل الواحة وتفتك بثروتهم الحيوانية.
وأهل "الجارة" ظلوا حتى قيام ثورة يوليو 1952 لا يعرفون شكلاً من أشكال العملة النقدية مكتفين بالمقايضة، وهم يعيشون -إلى الآن- على الزيتون والبلح ويستخدمونه في المقايضة بما يحتاجونه من سكان القرى الأخرى والأغراب، وهم في حياتهم أشبه بجدارية عتيقة، فمنذ قديم الأزل لا يفكرون إلا في دعوة الشيخ الطرابلسي، ويدعون الله أن تنتهي هذه اللعنة التي أصابت نسلهم!.
عيد الليالي القمرية
وفي كل عام عندما يحل شهر أكتوبر وعند اكتمال القمر تبدأ احتفالات أهالي سيوة بعيد الليالي القمرية أو "عيد السلام"، فعند سفح جبل الدكرور يجتمع السيويون شيوخا وشبابا وأطفالا ونساء، تاركين منازلهم، يجتمعون على مائدة واحدة، حيث يحمل كل شيخ قبيلة مائدة من الطعام على رأسه ليقدمها لكل الناس، لا فرق بين غني وفقير، ولا يبدءون في تناول الطعام قبل إطلاق إشارة البدء من شخص يسمى القدوة يجلس في أعلى مكان على الجبل، وبعدها تبدأ الاحتفالات والأناشيد لأهم عيد في سيوة. وعندما يحل مساء اليوم الأول للاحتفالات يجلس شيوخ القبائل يروون قصص البطولات والتصدي للغزاة وأمجاد سيوة القديمة ويروون أشهر قصة تصالح وهو التصالح الكبير بين السيويين الشرقيين والغربيين والذي كان الفضل فيه للشيخ أحمد الظافر المدني الذي صاهر بين الشرقيين والغربيين ليسود التسامح وتذهب الخلافات، ومن هنا اتخذ هذا اليوم من كل عام ذكرى طيبة للاحتفال بعيد السلام كعيد قومي للواحة.
وفي "يوم المصالحات" تعقد المصالحات لإنهاء الخلافات بين القبائل، وبعد التصالح يتناول الجميع الغذاء، دليلا على انتهاء أي خصومات وقعت على مدار العام
وفي اليوم الثالث يرتدي شخص جلبابا أبيض ويطوف على المنازل ليأخذ من كل بيت شيئا يؤكل، ويتم عمل وليمة كبيرة يتجمع الأهالي لها مرة أخرى؛ تأكيدا للتصافي والتسامح، وتسمى هذه الوجبة "النفخة"، ويزور هذا العيد -عيد الليالي القمرية- نحو 30 ألف زائر وسائح سنويا ليشاهدوا هذه الطقوس السيوية العريقة.
جبل الدكرور
وجبل الدكرور هو الجبل الذي يشهد "عيد السلام السنوي" وهو يقع على بعد 5 كم جنوب مدينة سيوة، ويتميز الجبل بجوه الصحي وتتوفر فيه المياه العذبة وتستخدم رماله في علاج الروماتيزم عن طريق حمامات الرمال الساخنة، حيث توجد خمسة أنواع متخصصة من هذه الحمامات، وهناك أشخاص بأعينهم متخصصون في دفن أجسام أولئك الذين يعانون من آلام الروماتيزم والروماتويد والتهاب الأعصاب، وتختلف فترة الحمام الرملي حسب الحالة المرضية.
وفي جبل الدكرور توجد أيضا مقابر منحوتة في الصخر يعود تاريخها إلى العصر البطليمي قبل آلاف السنين، وتوجد مقبرتان كبيرتان يسهل الوصول إليهما، وكل المقابر خالية من أي نقوش على جدرانها.
حلي الصالحات
ملابس الفتيات السيويات وما يتحلين به من حلي فضية، هو أول ما يجذب الأنظار لمن يزور هذه الواحة، فهن يلبسن ثيابا زاهية الألوان لها أكمام طويلة واسعة، ويضعن حول أعناقهن عقودا من الخرز. وما زالت بعض الفتيات يصففن شعورهن في جدائل متعددة، وتنفق الفتاة ساعات في تصفيفه، وفي كل مرة تخرج المرأة السيوية لزيارة قريبة أو تهنئة جارة بمولد جديد فإنها ترتدي عدة أثواب فوق بعضها، ومهما كان العدد فإن الثوب الخارجي يجب أن يكون أسود اللون مطرزا بزخارف مشغولة بالحرير متعددة الألوان.
وفي داخل المنزل يكون للمرأة السيوية أن تخلع الثوب الأسود وتبقى بالثوب ذي اللون الزاهي والأكمام الطويلة الواسعة.
والحلي السيوية تتكون من أساور عريضة فضية وخواتم وأنواع مختلفة من العقود وخاصة العقد المسمى "الصالحات" وهو يتكون من ست قطع على شكل هلالي، يوضع بين كل اثنين من الفضة والمرجان، ويتحلى النساء بالأقراط، وهي إما خفيفة وتتدلى من ثقب من حلمة الأذن أو ثقيلة تتدلى على جانبي الرأس في نفس مستوى الأذنين.
ويبلغ حلي بعض النساء في العائلات الغنية أكثر من عشرة أرطال، والحليتان الرئيسيتان هما "الأغرو" وهو فضي تحرص السيدة الثرية في سيوة على ارتدائه. و"التعليق" وهو قرط يتدلى على جانبي الرأس يتكون كل جانب منه من عدة سلاسل فضية مثبتة في حلية هلالية الشكل، وتنتهي كل سلسلة منها بجلجلة ، أما أدوات التجميل عند المرأة السيوية فهي الكحل والأعشاب الطبيعية.
عرس مبارك
في عصر يوم عقد الزواج ترتدي العروس أبهي ملابسها وتذهب مباشرة في صحبة بعض نساء أسرتها وقليل من الذكور من أقاربها لتغسل وجهها ويديها وقدميها في عين طموس، من ضمن أكثر من مائتي عين وينبوع للشرب والتداوي تملأ واحات سيوة، لتبارك هذا الزواج، وعند هذه العين المباركة تقوم بخلع حزامها وتعطيه لأمها أو إحدى خالاتها لكي تستخدمه إحدى بنات العائلة في المستقبل.
وتظل النسوة ترددن الأغاني في طريق رجوعهن من العين حتى يقابلن نساء أهل العريس اللاتي يكن في انتظارهن عند مكان معين، ثم يذهبن جميعا إلى منزل العروس، وفي المساء يذهب العريس إلى منزل عروسه وتبدأ الرقصات والموسيقي في العزف ثم يأخذ عروسه إلى منزله.
ووليمة العرس تسمى "الزقاة" وهو طعام مألوف في سيوة يقدم لضيوف حفل الزواج وملابس العرس في ليلة الزفاف سبعة فساتين فوق بعضها البعض؛ الأول وهو الملاصق للبشرة يكون أبيض اللون خفيفا شفافا، والثاني أحمر شفاف، والثالث أسود، والرابع أصفر، والخامس أزرق، والسادس من الحرير الوردي، والسابع وهو الخارجي من الحرير الأخضر. فوق كل هذا ترتدي فستانا خاصا بالزفاف مطرزا بتطريز غالي التكاليف حول الرقبة، وتضع على رأسها شالا من الحرير الأحمر.
ميلاد طفل
الاحتفالات بميلاد طفل كثيرة خصوصا إذا كان ذكرا أو كان والداه من أسرة غنية، وعقب الولادة التي تشرف عليها القابلة تستلقي المرأة على كليم مفروش على الأرض لمدة سبعة أو عشرة أيام، ولا يزورها في هذه الفترة إلا الصديقات والمقربات. أما في اليوم السابع فهو يوم الاحتفالات؛ إذ يأتي أقارب المرأة والأصدقاء مصطحبين أولادهم ليحتفلوا بالمولود الجديد ويشارك النسوة في إعداد وجبة خاصة بهذه المناسبة يدخل في أصنافها السمك المملح، وهذا النوع من الطعام تقليد جروا عليه تيمنا بولادة سيدي سليمان إمام السيويين.
ويبدأ الأب والأم في تسمية المولود بعد هذه الوجبة، ثم تقوم القابلة بوضع علامات على وجنات الطفل وعلى أنفه ورجليه مستخدمة في ذلك عجينة الحنة، ثم تندفع الجموع إلى الشوارع والأسواق ينادون بأعلى أصواتهم باسم المولود واسم والده، وبعد أن يرحل الأولاد يؤتى بإناء مصنوع من الفخار، حيث ترقد الأم في الغرفة ويكون الإناء مملوءا إلى منتصفه بالماء حيث تقوم كل امرأة بإلقاء حليها داخل هذا الإناء وتكون النساء حلقة حوله رافعين إياه وسط تراتيل تنشدها القابلة بالدعوات للطفل أن يحيا حياة سعيدة، ثم يرفع الإناء إلى أعلى وأسفل سبع مرات ثم يكسر الإناء إلى أجزاء وتستعيد كل امرأة حليها. ويعتقد أن كسر الإناء الفخاري يعمل على اتقاء شر الحسد ويضمن للطفل حياة سعيدة.
وفي حالة الولادة الأولى يستدعي الأب الحلاق ويقوم بإعطائه مثل وزن شعر الطفل من الفضة إن كانت الأسرة فقيرة الحال أو مثل وزنه ذهبا إن كانت غنية.
الغولة والروح الشريرة
الغولة هي
المرأة السيوية التي يتوفى زوجها، فأهل سيوة يعتقدون أن الأرملة لديها عين قوية حسودة تجلب سوء الحظ لمن تقع عليه!
وحين يتوفى زوج هذه الأرملة المسكينة التي قد لا تتجاوز السبعة عشر عاما يصحبها أهلها مرة أخرى إلى "عين طموس" الذي اغتسلت فيه يوم زواجها لتخلع هناك حليها وثيابها المعتادة وترتدي ثوبا أبيض علامة على الحزن والحداد، ثم تعيش في عزلة تامة أربعين يوما؛ ينبغي خلالها ألا تأكل شيئا من اللحوم ولا يسمح لها في هذه الفترة بالاغتسال أو تغيير ثوبها، ثم تظل سنة بعد وفاة زوجها لا يحق لها أن تتزوج إلا بعدها!
من هم السيويون؟
أهل سيوة كلهم مسلمون وغالبيتهم ينتمون إلى الطريقة السنوسية التي تنتشر شمال أفريقيا، أو الطريقة الميدانية التي تنتهي إلى الشيخ أحمد الظافر المدني، ووجوه أهلها السمراء ذات الملامح البدوية بسيطة تشبه بساطة منازلهم المصنوعة من الطوب اللبن والتي لم تصبها لعنات الكتل الخرسانية. فالسيوي - الذي ينحدر من أصول اختلط فيها العربي بالبربري بل والزنجي - لم تجرفه تيارات المدنية الحديثة، وما زال متمسكا بعاداته وتقاليده التي ورثها عن الأجداد، وهو دائما ما يبدي أسفه من أولئك الذين تخلو عن عاداتهم ونسوا تراثهم.
السيوي شخص محافظ ليس من طباعه تشجيع العلاقات الحميمة مع الغرباء، وهو ما جعل سيوة أقرب إلى عالم مستقل بذاته على مر السنين رغم أنها تتبع الدولة المصرية منذ ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة!
منقول
مع تحياتى احمد صلاح خطاب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى