الشلوخ هل كانت عادة افريقية أم عربية وافدة
صفحة 1 من اصل 1
الشلوخ هل كانت عادة افريقية أم عربية وافدة
الشلوخ في السودان ......هل كانت عادة افريقية أم عربية وافدة
كتب هذه المادة / عبد الهادي عبد الله أرقاوي
الشلوخ ... والوشم ... والوسم ... ثلاثة مسميات لمعاني متقاربة أساسها هو إحداث اثر مادي علي السطح الخارجي في جسم الإنسان أو الحيوان وبالتحديد في سطح الجلد وفي مواضع مختلفة من الجسد بالة الموس أو المشرط كما في حالة الشلوخ وبالإبر وأشواك النباتات كما في حالة الوشم أو بالكي بالنار كما في حالة الوسم 0
ويتم إحداث هذا الأثر لإغراض مختلفة منها تحديد الانتماء العرقي أو الانتماء الوطني أو لغاية علاجية أو جمالية أو لتحديد الملكية0
- والشلوخ ...
تكون للإنسان والأداة المستعملة فيها هي الموس أو المشرط وغالبا ما تكون في الخدود أو الجبهة وتكون بغرض تحديد الانتماء الوطني أو العرقي أو قد تكون لغاية جمالية كما في شلوخ النساء أو لغاية علاجية كما في حالة الشلوخ التي تكون علي جانبي الوجه بجانب العينين علي شكل شلختين صغار علي شكل الرقم (11) باعتقاد إن ذلك يفيد في علاج بعض أمراض العيون 0
- والوشم ...
والأداة المستعملة فيها هي أشواك بعض النباتات والإبر الحديدية ويكون للإنسان ولغاية جماليه وغالبا ما تكون عند النساء ويرسم بإشكال مختلفة في أنحاء مختلفة علي جسم الإنسان كالوجه والكتفين والظهر وبعد رسم الشكل المراد وشمه تزر أو توضع في موضع الوشم بعض الألوان حتى يأخذ الوشم اللون المطلوب 0
- أما الوسم ...
- ويكون للحيوانات ويكون بالكي بالنار والأداة المستعملة فيها هي أدوات الكي المعروفة كالمسمار المحمي علي الجمر والوسم يكون غالبا علي وركي أو فخذي الحيوان أو أذنيه ويكون بغرض تحديد ملكية الحيوان لقبيلة معينة أو لشخص محدد في هذه القبيلة 0
والشلوخ عادة سودانية كانت موجودة عند كل القبائل السودانية الأصيلة كالنوبة في شمال السودان والبجا في شرق السودان والقبائل المختلفة في جنوب السودان 0
فكانت الشلوخ عند النوبة وعند قبائل البجا عبارة عن ثلاثة خطوط راسية علي الخدين كالرقم (111) أما القبائل الجنوبية فكانت عند قبيلة الشلك عبارة عن مجموعة ندبات في أسفل الجبهة و فوق الحاجبين وعند قبيلة النوير عبارة عن ندبات صغيرة كالحبوب وتملا كل الجبهة أما عند قبيلة الدينكا فكانت عبارة عن ثلاث أشكال كالرقم سبعة مرصوصة فوق بعضها البعض عند منتصف الجبهة كما كانوا بالإضافة لذلك يخلعون السنين الأماميين في الفك الأسفل للطفل بعد أن يبلغ سن السابعة كعلامة مميزة للقبيلة 0
وهنا سوف نتحدث عن الشلوخ التي كانت سائدة في بلاد النوبة والتي كانت تمتد من مصر العليا في الشمال وحتى نهر السوباط وبحر العرب والتي كانت تشمل وادي النيل والنيلين الأبيض والأزرق وكردفان وجزء من دارفور والتي تعرف ألآن بالسودان
والشلوخ عادة اجتماعية سودانية مهمة سادت في السودان لفترة طويلة من الزمن ثم اندثرت مثلها مثل غيرها من العادات الاجتماعية التي اندثرت بعامل التطور الطبيعي الذي يصيب المجتمعات المدنية الحضرية بسبب التأثيرات الاقتصادية والسياسية و الثقافية والدينية المتجددة وهذه هي سنة الحياة حيث أن كل شيء في هذه الدنيا في تحول وتغير دائم شيء متغير ومتجدد ومستمر بالقدر الذي يمكن أن نقول فيه إن كل والثابت الوحيد في هذه الدنيا هو سنة التغيير والفناء ثم التجدد والمجتمعات الحية والمرنة هي التي لا تتحجر وتتمسك بنمط حياة معين وثابت إنما تكون لها الثقة بنفسها التي تمكنها من التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية دون أن تفقد هويتها الوطنية التي تميزها عن المجتمعات الأٌخرى 0
والشلوخ ... والوشم ... والوسم ... لم يكن حكرا علي السودان حيث أن الوشم كان ومازال موجودا في ثقافات الكثير من الشعوب والأمم الأُخرى و في كافة أرجاء العالم فالوشم مازال موجود إلى يومنا هذا عند الكثير من شعوب قارة أسيا وأرويا وعند الهنود الحمر في أمريكا الشمالية إلا أن الشلوخ السودانية النوبية كانت متميزة ومختلفة عن كل أنواع الشلوخ الموجودة عند الأمم الأُخرى من حيث الهدف منها ومن حيث طريقة رسمها 0
والشلوخ التي كانت سائدة في السودان حتى عهد قريب جدا هي في الأصل كما ذكرنا عادة نوبية قديمة وكانت متبعة في جميع الممالك النوبية القديمة الثلاث وهي ( نوباتيا في أقصى الشمال وتمتد من أسوان إلى قرب الشلال الثالث وعاصمتها فرس، والمغرة التي تحتل المنطقة الممتدة من قرب الشلال الثالث إلى الأبواب ( كبوشيه الحالية) وعاصمتها دنقلا العجوز في حين أن مملكة علوه وعاصمتها سوبا جنوب الخرطوم تشمل منطقة شاسعة تمتد من الأبواب (كبوشية) شمالا إلى القطينه على النيل الأبيض جنوبا كما ضمت أجزاء من عطبرة والنيل الأزرق حتى الحدود الأثيوبية وبعض جهات دارفور وكردفان)
وقد ذكر البروفسور عبد الرحيم محمد خبير* في كتابه الشخصية القومية من منظور آثاري-تاريخي : دراسة حالة السودان
قسم الآثار – كلية الآداب – جامعة جوبا نقلا عن كتاب "النوبة وتاريخ السودان القديم" لمؤلفه أحمد محمد على الحاكم والمنشور في مجلة كلية الآداب، جامعة الخرطوم، العدد الرابع، 1981م، ص98-99. ما يلي :
( ومن العادات الجامعة لأهل السودان الشلوخ ولا تزال تمارس هذه العادة لدى العديد من القبائل السودانية في شمال وجنوب البلاد رغم انحسارها النسبي في العقود الأخيرة. وترجع هذه الممارسة إلى العهد الكوشي-المروي (900ق.م-350م) إذ تبين أنها من الممارسات المألوفة في السودان القديم. وتشير اللوحات الأثرية لأشكال زعماء (لوحة الملك المروي نتكامني و زوجته الملكة أمانيتيري في معبد الأسد بالنقعة مثالاً لذلك) وأناس عاديين تظهر على خدودهم وجباههم أنماط متنوعة من الشلوخ .
وكان الغرض منها أي ( الشلوخ) التمييز بين الناس وتحديد انتماءاتهم الوطنية وهي كانت بمثابة وثيقة الجنسية التي يحملها الإنسان اليوم والتي تحدد انتماءه وعندما جاء العرب إلى بلاد النوبة والتي تسمي ألان بالسودان وجدوا إن هذه العادة موجودة وشائعة وسائدة ليس عند النوبة الذين ساكنوهم فقط بل عند كل القبائل السودانية حتى جنوب السودان فما كان من العرب إلا أن تمثلوها واتبعوها كمحاكاة ومجاراة منهم لأهل البلد الذين قدموا إليهم رغم أنهم قدموا من بيئة عربية إسلامية لا تعرف الشلوخ بل وتحرمه باعتباره تشويه لخلق الله حسب الشريعة الإسلامية وقد نهي الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حتى مجرد ضرب الإنسان في الوجه ناهيك عن وسمة كما نهي حتى عن وسم البهائم في الوجه فالعرب لم يعرفوا في الجزيرة العربية الشلوخ إطلاقا ولم يرد أي اثر لذكر الشلوخ في السيرة النبوية الشريفة لأنها لم تكن معروفة عند قبائل الحجاز أي القبائل العربية التي كانت تقطن منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة ولو كانت معروفة حتى عند القبائل العربية الأُخرى التي تسكن بعيدا عن الحجاز كقبائل نجد أو قبائل جنوب أو شمال الجزيرة العربية لعلم بها الرسول (ص ) من خلال ما كان يرد علي مكة من القبائل العربية المختلفة للحج والتجارة قبل الإسلام ومن الوفود التي كانت ترد عليه من القبائل المختلفة للمبايعة وإشهار الإسلام عند بداية الدعوة الإسلامية ولو رأي شي كهذا لصدر منه صلي الله عليه وسلم اثر نبوي أو حكم شرعي في ذلك كما لم يرد أثر للشلوخ في الفقه الإسلامي والذي ورد في الفقه الإسلامي هو حكم بمنع الوشم حيث لعن الله علي لسان رسوله (ص) الواشمة والمتوشمة كما أن الشلوخ لو كانت عادة عربية لكان العرب نقلوها إلى البلاد الأُخرى التي هاجروا إليها كبلاد الشام والعراق بلاد المغرب حيث لا اثر لهذه العادة إلا في بلاد النوبة 0
والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت الشلوخ عادة افريقية نوبية وإذا لم يكن العرب يعرفون الشلوخ في بيئتهم الأصلية في الجزيرة العربية و إذا كان الإسلام يحرم الشلوخ فلماذا تبني العرب الوافدين علي بلاد النوبة الشلوخ النوبية وللإجابة علي هذا السؤال نقول إن العرب الوافدين كانوا مجبرين علي تمثل هذه العادة وغيرها من العادات وإتباعها لأسباب كثيرة منها0
1- لجهلهم بتعاليم الدين الإسلامي حيث إن الأعراب الذين وفدوا إلى السودان كانوا في غالبهم مجرد أعراب بدو جاءوا أصلا بحثا لطلب الرزق والماء والكلأ لبهائمهم ولم يأتوا كدعاة أو علماء 0
2- ومن أسباب أخذهم بالشلوخ النوبية قلة عدد البدو عندما وفدوا إلى بلاد النوبة وعدم قدرتهم علي التأثير علي الوسط المحيط بهم والذي كان يفوقهم حضاريا
3- ولقوة الثقافة النوبية ثقافة أهل البلد الأُصلاء القوية والطاغية التي بهرت البدو فشعروا بضئالة ثقافتهم البدوية البسيطة أمام الثقافة النوبية الحضرية العريقة والمتقدمة فانصاعوا لهذه الثقافة انصياعا تاما وتمثلوها واتبعوها إتباعا تاما بكل ايجابياتها وسلبياتها
4- ومن أسباب تبني العرب لعادة الشلوخ النوبية إنهم أدركوا إن الشلوخ ليست عبارة عن مجرد وسم يرسم علي الوجه إنما هو إطار يحدد انتماء الإنسان ولذا أدركوا بوعيهم البسيط إنهم ليدخلوا في الإطار الاجتماعي لبلاد النوبة التي وفدوا أليها لابد لهم من الوسم بوسمهم وتقليدهم ومحاكاتهم في المظهر العام
5- كما كان لزواجهم من النساء النوبيات أثرا كبير في اتخاذهم لعادة الشلوخ النوبية السودانية
واستمر الشكل السائد للشلوخ في كل أنحاء بلاد النوبة هو الشكل ذو الثلاث خطوط الراسية علي شكل الرقم (111) منذ أن عرف الشلوخ في السودان القديم حتى سقوط مملكة علوه النوبية المسيحية والتي كانت عاصمتها سوبا الحالية حيث تحالف الفونج بقيادة عمارة دتقس ومجموعة القبائل العربية بقيادة عبد الله جماع وهجموا علي سوبا عاصمة مملكة علوه حوالي العام ( 1505م) فدمروها وخربوها ومازال الناس يذكرون خراب سوبا كدلالة علي الفظاعة والبشاعة وبسقوط سوبا ظهرت مملكة سنار التي لم تستطيع السيطرة علي السودان كله كما كانت تفعل الممالك النوبية السابقة فتقسم السودان إلى عدة مشيخات (وهي مملكة ارقو ثم مملكة الخندق ثم مملكة الشايقية وعصمتها مروي ثم مملكة الجعليين وعاصمتها شندي ثم مملكة المريفاب وعاصمتها بربر ثم مملكة الرباطاب وعاصمتها أبو حمد ثم مملكة العبدلاب وعاصمتها اربجي
) واتحدت كل هذه المشيخات والوحدات القبلية تحت نفوذ دولة الفونج وكان يحكم كل مشيخة من هذه المشيخات حاكم معين من قبل ملك مملكة سنار وكان يسمي المك أي تصغير لكلمة ملك كدلالة علي تبعيتهم لملك اكبر وهو ملك الفونج وعند سقوط ممالك النوبة وظهور الشيخات الأنفة الذكر احتفظت كل القبائل السودانية بشلوخ النوبة ماعدا الشايقية الذين اتخذوا لأنفسهم نمط جديد من الشلوخ وهي اعلي شكل ثلاثة خطوط افقية ويبدو أنهم أرادوا بذلك إن يميزوا أنفسهم عن جيرانهم من الشمال وهم مكوك البديرية والتي كانت عاصمتهم الخندق وجيرانهم من الجنوب مكوك الجعليين وكانت عاصمتهم شندي وكان بينهم عداء شديد كما أصبحت بعض القبائل البدوية تأخذ لنفسها شكلا من الشلوخ يميزها عن القبائل الأُخرى 0
وخلاصة يمكن أن نقول أن نمط الشلوخ عند كل أهل السودان القديم حتى سقوط دولة علوه النوبية المسيحية و قيام مملكة سنار كان كان نمطا موحدا أي أن التغيير والتعدد هذا لا يتجاوز عمره الخمسمائة عام حيث سقطت سوبا في العام 1505م
وقد تبدو الشلوخ اليوم عادة قديمة وبالية وقبيحة ومستهجنة بمقاييس اليوم ولكن يجب علينا ان لا نحاكم الماضي بوعينا الحاضر وبمقاييسنا الحالية فقد كان للماضي ظروفه وأسبابه ومبرراته وضروراته ومقتضياته التي جعلته يبدو علي ذلك النحو كما أن واقعنا الحالي اليوم ليس جميلا وورديا ومبرئا من كل عيب فما زالت هنالك عادات وتقاليد بالية ومتخلفة سائدة في مجتمعنا الحالي اليوم وتمسك بتلابيبه وتحول دونه والتطور والتقدم وهي لا تقل سؤا عن الشلوخ التي سادت ثم بادت بحمد الله ونذكر منها
1- عادة الخفاض الفرعوني القبيحة والضارة صحيا والتي راحت ضحيتها ملايين النساء ونجد حتى اليوم أناس متعلمين ويحملون ارفع الشهادات والدرجات العلمية ويقدمون بناتهم ضحية لهذه العادة الذميمة امتثالا لحكم العادات والتقاليد الاجتماعية
2- كما أن القبلية والجهوية والعشائرية مازالت متحكمة فينا حتى الآن وقد زادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وقد ضربت هذه الآفات حتى المؤسسات القومية الكبيرة التي كان يؤمل عليها كثيرا كالأحزاب السياسية الكبيرة ومؤسسات الدولة بل نجد أن البعض يتولي مناصب قيادية في الدولة الآن للاعتبارات المذكورة أعلاه 0
3- كما لازلنا نجد حتى اليوم التعالي الاجتماعي والتفاخر بالأنساب بل ويصل الأمر بالبعض من بني جلدتنا أنهم يدعون لأنفسهم النسب الشريف وأنهم من آل البيت ويترفعون عن بقية الشعب
4- كما لازالت عادة التبرك بالأولياء والصالحين من الأموات من أصحاب المقابر والقباب والتوسل بهم شائعة حتى اليوم كما نجد أيضا عادة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف التي ليس لها أصل في الدين والتي تتم بطريقة مخلة فيها الكثير من الدروشة والتسطيح الذي لا يناسب مقامه الكريم صلي الله عليه وسلم
كتب هذه المادة / عبد الهادي عبد الله أرقاوي
الشلوخ ... والوشم ... والوسم ... ثلاثة مسميات لمعاني متقاربة أساسها هو إحداث اثر مادي علي السطح الخارجي في جسم الإنسان أو الحيوان وبالتحديد في سطح الجلد وفي مواضع مختلفة من الجسد بالة الموس أو المشرط كما في حالة الشلوخ وبالإبر وأشواك النباتات كما في حالة الوشم أو بالكي بالنار كما في حالة الوسم 0
ويتم إحداث هذا الأثر لإغراض مختلفة منها تحديد الانتماء العرقي أو الانتماء الوطني أو لغاية علاجية أو جمالية أو لتحديد الملكية0
- والشلوخ ...
تكون للإنسان والأداة المستعملة فيها هي الموس أو المشرط وغالبا ما تكون في الخدود أو الجبهة وتكون بغرض تحديد الانتماء الوطني أو العرقي أو قد تكون لغاية جمالية كما في شلوخ النساء أو لغاية علاجية كما في حالة الشلوخ التي تكون علي جانبي الوجه بجانب العينين علي شكل شلختين صغار علي شكل الرقم (11) باعتقاد إن ذلك يفيد في علاج بعض أمراض العيون 0
- والوشم ...
والأداة المستعملة فيها هي أشواك بعض النباتات والإبر الحديدية ويكون للإنسان ولغاية جماليه وغالبا ما تكون عند النساء ويرسم بإشكال مختلفة في أنحاء مختلفة علي جسم الإنسان كالوجه والكتفين والظهر وبعد رسم الشكل المراد وشمه تزر أو توضع في موضع الوشم بعض الألوان حتى يأخذ الوشم اللون المطلوب 0
- أما الوسم ...
- ويكون للحيوانات ويكون بالكي بالنار والأداة المستعملة فيها هي أدوات الكي المعروفة كالمسمار المحمي علي الجمر والوسم يكون غالبا علي وركي أو فخذي الحيوان أو أذنيه ويكون بغرض تحديد ملكية الحيوان لقبيلة معينة أو لشخص محدد في هذه القبيلة 0
والشلوخ عادة سودانية كانت موجودة عند كل القبائل السودانية الأصيلة كالنوبة في شمال السودان والبجا في شرق السودان والقبائل المختلفة في جنوب السودان 0
فكانت الشلوخ عند النوبة وعند قبائل البجا عبارة عن ثلاثة خطوط راسية علي الخدين كالرقم (111) أما القبائل الجنوبية فكانت عند قبيلة الشلك عبارة عن مجموعة ندبات في أسفل الجبهة و فوق الحاجبين وعند قبيلة النوير عبارة عن ندبات صغيرة كالحبوب وتملا كل الجبهة أما عند قبيلة الدينكا فكانت عبارة عن ثلاث أشكال كالرقم سبعة مرصوصة فوق بعضها البعض عند منتصف الجبهة كما كانوا بالإضافة لذلك يخلعون السنين الأماميين في الفك الأسفل للطفل بعد أن يبلغ سن السابعة كعلامة مميزة للقبيلة 0
وهنا سوف نتحدث عن الشلوخ التي كانت سائدة في بلاد النوبة والتي كانت تمتد من مصر العليا في الشمال وحتى نهر السوباط وبحر العرب والتي كانت تشمل وادي النيل والنيلين الأبيض والأزرق وكردفان وجزء من دارفور والتي تعرف ألآن بالسودان
والشلوخ عادة اجتماعية سودانية مهمة سادت في السودان لفترة طويلة من الزمن ثم اندثرت مثلها مثل غيرها من العادات الاجتماعية التي اندثرت بعامل التطور الطبيعي الذي يصيب المجتمعات المدنية الحضرية بسبب التأثيرات الاقتصادية والسياسية و الثقافية والدينية المتجددة وهذه هي سنة الحياة حيث أن كل شيء في هذه الدنيا في تحول وتغير دائم شيء متغير ومتجدد ومستمر بالقدر الذي يمكن أن نقول فيه إن كل والثابت الوحيد في هذه الدنيا هو سنة التغيير والفناء ثم التجدد والمجتمعات الحية والمرنة هي التي لا تتحجر وتتمسك بنمط حياة معين وثابت إنما تكون لها الثقة بنفسها التي تمكنها من التكيف مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية دون أن تفقد هويتها الوطنية التي تميزها عن المجتمعات الأٌخرى 0
والشلوخ ... والوشم ... والوسم ... لم يكن حكرا علي السودان حيث أن الوشم كان ومازال موجودا في ثقافات الكثير من الشعوب والأمم الأُخرى و في كافة أرجاء العالم فالوشم مازال موجود إلى يومنا هذا عند الكثير من شعوب قارة أسيا وأرويا وعند الهنود الحمر في أمريكا الشمالية إلا أن الشلوخ السودانية النوبية كانت متميزة ومختلفة عن كل أنواع الشلوخ الموجودة عند الأمم الأُخرى من حيث الهدف منها ومن حيث طريقة رسمها 0
والشلوخ التي كانت سائدة في السودان حتى عهد قريب جدا هي في الأصل كما ذكرنا عادة نوبية قديمة وكانت متبعة في جميع الممالك النوبية القديمة الثلاث وهي ( نوباتيا في أقصى الشمال وتمتد من أسوان إلى قرب الشلال الثالث وعاصمتها فرس، والمغرة التي تحتل المنطقة الممتدة من قرب الشلال الثالث إلى الأبواب ( كبوشيه الحالية) وعاصمتها دنقلا العجوز في حين أن مملكة علوه وعاصمتها سوبا جنوب الخرطوم تشمل منطقة شاسعة تمتد من الأبواب (كبوشية) شمالا إلى القطينه على النيل الأبيض جنوبا كما ضمت أجزاء من عطبرة والنيل الأزرق حتى الحدود الأثيوبية وبعض جهات دارفور وكردفان)
وقد ذكر البروفسور عبد الرحيم محمد خبير* في كتابه الشخصية القومية من منظور آثاري-تاريخي : دراسة حالة السودان
قسم الآثار – كلية الآداب – جامعة جوبا نقلا عن كتاب "النوبة وتاريخ السودان القديم" لمؤلفه أحمد محمد على الحاكم والمنشور في مجلة كلية الآداب، جامعة الخرطوم، العدد الرابع، 1981م، ص98-99. ما يلي :
( ومن العادات الجامعة لأهل السودان الشلوخ ولا تزال تمارس هذه العادة لدى العديد من القبائل السودانية في شمال وجنوب البلاد رغم انحسارها النسبي في العقود الأخيرة. وترجع هذه الممارسة إلى العهد الكوشي-المروي (900ق.م-350م) إذ تبين أنها من الممارسات المألوفة في السودان القديم. وتشير اللوحات الأثرية لأشكال زعماء (لوحة الملك المروي نتكامني و زوجته الملكة أمانيتيري في معبد الأسد بالنقعة مثالاً لذلك) وأناس عاديين تظهر على خدودهم وجباههم أنماط متنوعة من الشلوخ .
وكان الغرض منها أي ( الشلوخ) التمييز بين الناس وتحديد انتماءاتهم الوطنية وهي كانت بمثابة وثيقة الجنسية التي يحملها الإنسان اليوم والتي تحدد انتماءه وعندما جاء العرب إلى بلاد النوبة والتي تسمي ألان بالسودان وجدوا إن هذه العادة موجودة وشائعة وسائدة ليس عند النوبة الذين ساكنوهم فقط بل عند كل القبائل السودانية حتى جنوب السودان فما كان من العرب إلا أن تمثلوها واتبعوها كمحاكاة ومجاراة منهم لأهل البلد الذين قدموا إليهم رغم أنهم قدموا من بيئة عربية إسلامية لا تعرف الشلوخ بل وتحرمه باعتباره تشويه لخلق الله حسب الشريعة الإسلامية وقد نهي الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حتى مجرد ضرب الإنسان في الوجه ناهيك عن وسمة كما نهي حتى عن وسم البهائم في الوجه فالعرب لم يعرفوا في الجزيرة العربية الشلوخ إطلاقا ولم يرد أي اثر لذكر الشلوخ في السيرة النبوية الشريفة لأنها لم تكن معروفة عند قبائل الحجاز أي القبائل العربية التي كانت تقطن منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة ولو كانت معروفة حتى عند القبائل العربية الأُخرى التي تسكن بعيدا عن الحجاز كقبائل نجد أو قبائل جنوب أو شمال الجزيرة العربية لعلم بها الرسول (ص ) من خلال ما كان يرد علي مكة من القبائل العربية المختلفة للحج والتجارة قبل الإسلام ومن الوفود التي كانت ترد عليه من القبائل المختلفة للمبايعة وإشهار الإسلام عند بداية الدعوة الإسلامية ولو رأي شي كهذا لصدر منه صلي الله عليه وسلم اثر نبوي أو حكم شرعي في ذلك كما لم يرد أثر للشلوخ في الفقه الإسلامي والذي ورد في الفقه الإسلامي هو حكم بمنع الوشم حيث لعن الله علي لسان رسوله (ص) الواشمة والمتوشمة كما أن الشلوخ لو كانت عادة عربية لكان العرب نقلوها إلى البلاد الأُخرى التي هاجروا إليها كبلاد الشام والعراق بلاد المغرب حيث لا اثر لهذه العادة إلا في بلاد النوبة 0
والسؤال الذي يطرح نفسه هو إذا كانت الشلوخ عادة افريقية نوبية وإذا لم يكن العرب يعرفون الشلوخ في بيئتهم الأصلية في الجزيرة العربية و إذا كان الإسلام يحرم الشلوخ فلماذا تبني العرب الوافدين علي بلاد النوبة الشلوخ النوبية وللإجابة علي هذا السؤال نقول إن العرب الوافدين كانوا مجبرين علي تمثل هذه العادة وغيرها من العادات وإتباعها لأسباب كثيرة منها0
1- لجهلهم بتعاليم الدين الإسلامي حيث إن الأعراب الذين وفدوا إلى السودان كانوا في غالبهم مجرد أعراب بدو جاءوا أصلا بحثا لطلب الرزق والماء والكلأ لبهائمهم ولم يأتوا كدعاة أو علماء 0
2- ومن أسباب أخذهم بالشلوخ النوبية قلة عدد البدو عندما وفدوا إلى بلاد النوبة وعدم قدرتهم علي التأثير علي الوسط المحيط بهم والذي كان يفوقهم حضاريا
3- ولقوة الثقافة النوبية ثقافة أهل البلد الأُصلاء القوية والطاغية التي بهرت البدو فشعروا بضئالة ثقافتهم البدوية البسيطة أمام الثقافة النوبية الحضرية العريقة والمتقدمة فانصاعوا لهذه الثقافة انصياعا تاما وتمثلوها واتبعوها إتباعا تاما بكل ايجابياتها وسلبياتها
4- ومن أسباب تبني العرب لعادة الشلوخ النوبية إنهم أدركوا إن الشلوخ ليست عبارة عن مجرد وسم يرسم علي الوجه إنما هو إطار يحدد انتماء الإنسان ولذا أدركوا بوعيهم البسيط إنهم ليدخلوا في الإطار الاجتماعي لبلاد النوبة التي وفدوا أليها لابد لهم من الوسم بوسمهم وتقليدهم ومحاكاتهم في المظهر العام
5- كما كان لزواجهم من النساء النوبيات أثرا كبير في اتخاذهم لعادة الشلوخ النوبية السودانية
واستمر الشكل السائد للشلوخ في كل أنحاء بلاد النوبة هو الشكل ذو الثلاث خطوط الراسية علي شكل الرقم (111) منذ أن عرف الشلوخ في السودان القديم حتى سقوط مملكة علوه النوبية المسيحية والتي كانت عاصمتها سوبا الحالية حيث تحالف الفونج بقيادة عمارة دتقس ومجموعة القبائل العربية بقيادة عبد الله جماع وهجموا علي سوبا عاصمة مملكة علوه حوالي العام ( 1505م) فدمروها وخربوها ومازال الناس يذكرون خراب سوبا كدلالة علي الفظاعة والبشاعة وبسقوط سوبا ظهرت مملكة سنار التي لم تستطيع السيطرة علي السودان كله كما كانت تفعل الممالك النوبية السابقة فتقسم السودان إلى عدة مشيخات (وهي مملكة ارقو ثم مملكة الخندق ثم مملكة الشايقية وعصمتها مروي ثم مملكة الجعليين وعاصمتها شندي ثم مملكة المريفاب وعاصمتها بربر ثم مملكة الرباطاب وعاصمتها أبو حمد ثم مملكة العبدلاب وعاصمتها اربجي
) واتحدت كل هذه المشيخات والوحدات القبلية تحت نفوذ دولة الفونج وكان يحكم كل مشيخة من هذه المشيخات حاكم معين من قبل ملك مملكة سنار وكان يسمي المك أي تصغير لكلمة ملك كدلالة علي تبعيتهم لملك اكبر وهو ملك الفونج وعند سقوط ممالك النوبة وظهور الشيخات الأنفة الذكر احتفظت كل القبائل السودانية بشلوخ النوبة ماعدا الشايقية الذين اتخذوا لأنفسهم نمط جديد من الشلوخ وهي اعلي شكل ثلاثة خطوط افقية ويبدو أنهم أرادوا بذلك إن يميزوا أنفسهم عن جيرانهم من الشمال وهم مكوك البديرية والتي كانت عاصمتهم الخندق وجيرانهم من الجنوب مكوك الجعليين وكانت عاصمتهم شندي وكان بينهم عداء شديد كما أصبحت بعض القبائل البدوية تأخذ لنفسها شكلا من الشلوخ يميزها عن القبائل الأُخرى 0
وخلاصة يمكن أن نقول أن نمط الشلوخ عند كل أهل السودان القديم حتى سقوط دولة علوه النوبية المسيحية و قيام مملكة سنار كان كان نمطا موحدا أي أن التغيير والتعدد هذا لا يتجاوز عمره الخمسمائة عام حيث سقطت سوبا في العام 1505م
وقد تبدو الشلوخ اليوم عادة قديمة وبالية وقبيحة ومستهجنة بمقاييس اليوم ولكن يجب علينا ان لا نحاكم الماضي بوعينا الحاضر وبمقاييسنا الحالية فقد كان للماضي ظروفه وأسبابه ومبرراته وضروراته ومقتضياته التي جعلته يبدو علي ذلك النحو كما أن واقعنا الحالي اليوم ليس جميلا وورديا ومبرئا من كل عيب فما زالت هنالك عادات وتقاليد بالية ومتخلفة سائدة في مجتمعنا الحالي اليوم وتمسك بتلابيبه وتحول دونه والتطور والتقدم وهي لا تقل سؤا عن الشلوخ التي سادت ثم بادت بحمد الله ونذكر منها
1- عادة الخفاض الفرعوني القبيحة والضارة صحيا والتي راحت ضحيتها ملايين النساء ونجد حتى اليوم أناس متعلمين ويحملون ارفع الشهادات والدرجات العلمية ويقدمون بناتهم ضحية لهذه العادة الذميمة امتثالا لحكم العادات والتقاليد الاجتماعية
2- كما أن القبلية والجهوية والعشائرية مازالت متحكمة فينا حتى الآن وقد زادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة وقد ضربت هذه الآفات حتى المؤسسات القومية الكبيرة التي كان يؤمل عليها كثيرا كالأحزاب السياسية الكبيرة ومؤسسات الدولة بل نجد أن البعض يتولي مناصب قيادية في الدولة الآن للاعتبارات المذكورة أعلاه 0
3- كما لازلنا نجد حتى اليوم التعالي الاجتماعي والتفاخر بالأنساب بل ويصل الأمر بالبعض من بني جلدتنا أنهم يدعون لأنفسهم النسب الشريف وأنهم من آل البيت ويترفعون عن بقية الشعب
4- كما لازالت عادة التبرك بالأولياء والصالحين من الأموات من أصحاب المقابر والقباب والتوسل بهم شائعة حتى اليوم كما نجد أيضا عادة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف التي ليس لها أصل في الدين والتي تتم بطريقة مخلة فيها الكثير من الدروشة والتسطيح الذي لا يناسب مقامه الكريم صلي الله عليه وسلم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى